الجمعة، 4 ديسمبر 2015

المالية العامة

بعض المفاهيم الأساسية في المالية العامة


من الضروري قبل البدء في دراسة العناصر المؤلفة لمالية الدولة (النفقات العامة، الإيرادات العامة، والميزانية العامة) أن نوضح عددا من النقاط الجوهرية التي تساعدنا كثيرا على حسن تفهم الموضوعات التي سنقوم بدراستها في الفصول القادمة، نوجزها فيمايلي:
أولا- نشأة وتطور المالية العامة:
من البديهي أنه لا وجود لمالية الدولة قبل وجود الدولة ذاتها، وقبل هذا الوجود فقد كانت هناك تجمعات عامة اتخذت شكلا ما من أشكال التجمع وكان لها ماليتها التي نظمتها كل جماعة بحسب ظروفها الخاصة الخاضعة للأعراف والقواعد المنظمة للجماعة.
-وفي العصور القديمة: كانت دولة الفراعنة بمصر والإمبراطورية الرومانية تلجأ إلى فرض الجزية على الشعوب المغلوبة، وإلى عمل الأرقاء للحصول على موارد تنفق منها على مرافقها العامة، وقد عرفت مصر الفرعونية الضرائب المباشرة والغير مباشرة على المعاملات التجارية وعلى نقل ملكية الأراضي، كما عرفت الإمبراطورية الرومانية أيضا أنواعا معينة من الضرائب كالضريبة على عقود البيع والضريبة على التركات.
-وفي العصور الوسطى: اندمجت المالية العامة مع مالية الحاكم الخاصة أي عدم الفصل بين الماليتين، إذ لم يكن هناك تمييز بين النفقات العامة اللازمة لتسيير المرافق العامة وبين النفقات الخاصة اللازمة للحاكم ولأسرته وحاشيته، أما بالنسبة للإيرادات العامة فقد كانت الدولة تستولي على ما تحتاجه من أموال بالاستيلاء والمصادرة، بالإضافة إلى استخدام الأفراد في القيام ببعض الأعمال العامة مجانا.
ولم يكن للضريبة في تلك العصور شأن يذكر، وكانت الدولة تستمد إيراداتها من أملاك الحاكم التي ينفق من ريعها على نفسه وأسرته ورعيته على السواء.
-وفي مرحلة الاقتصاد الحر: التي كانت نتاج ثورتين هما الثورة الصناعية في إنجلترا والثورة الفرنسية وكانت نتيجتهما ميلاد النظام الرأسمالي في شكله التقليدي القائم على مبدأ "دعه يعمل، دعه يمر" حيث يرى هذا النظام أنه على الدولة عدم التدخل في النشاط الاقتصادي وترك الأفراد أحرارا في معاملاتهم الاقتصادية والاجتماعية باعتبار أن كل فرد يسعى لتحقيق منفعته الخاصة يؤدي ذلك في آن واحد وبيد خفية لتحقيق منفعة الجماعة (حسب مفهوم اليد الخفية لآدم سميث)، والتي هي عبارة عن المجموع الجبري لمصالح أفراد المجتمع، أي لا يوجد تعارض بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة.
وعليه يتعين على دور الدولة أن يكون عند أدنى مستوى ممكن بحيث يقتصر فقط على إشباع الحاجات العامة من أمن ودفاع وعدالة ومرافق عامة، شريطة أن يكون تدخلها حياديا لا تأثير له على سلوك الأفراد، بالإضافة إلى الإشراف على بعض المرافق العامة التي لا يقوى النشاط الخاص على القيام بها لضخامة تكاليفها، أو لضآلة ما تدره من أرباح، كالتعليم والطرق والمواصلات والمياه، والكهرباء والغاز …الخ، وحتى تتوفر الحرية الاقتصادية والسياسية يستلزم الأمر عدم تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي للأفراد إلا في حدود ضيقة، لأن ترك المبادرة الفردية للأفراد كفيلة بتحقيق أقصى إنتاج ممكن، وتحقيق التوزيع العادل للدخل والثروة دون الحاجة إلى تدخل الدولة.
ومما سبق يتضح أن دور الدولة في النشاط الاقتصادي، والقيود الموضوعة على نشاطها، مقيدا بتحقيق قاعدتي توازن الميزانية (التعادل التام بين إيرادات الدولة ونفقاتها) والحياد المالي لنشاط الدولة، مما جعل مفهوم المالية العامة مجرد مفهوم حسابي لنفقات الدولة وإيراداتها وخال من أي بعد اقتصادي أو اجتماعي وساد هذا المفهوم التقليدي للمالية العامة عدة قرون إلى غاية أوائل القرن العشرين.
-أما في العصر الحديث: وابتداءا من الحرب العالمية الأولى، اضطرت الدولة ولأسباب مختلفة التدخل في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وزادت أبعاد هذا التدخل بوقوع الكساد الكبير في سنة 1929، ومن بين أسباب هذا التدخل مايلي:
-
رغبة الدولة في إشباع الحاجات العامة.
-
معالجة بعض المشاكل الاقتصادية من بطالة وتضخم.
-
التقليل من التفاوت في توزيع الدخول والثروات بين أفراد المجتمع.
-
تفعيل دور القطاع الخاص في النمو ودفع عجلة التنمية.
-
الحد من نشاط التكتلات الرأسمالية الاحتكارية وتشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
ويطلق على الدولة في هذه الحالة بالدولة المتدخلة لكونها تتدخل في النشاط الاقتصادي لتحقيق أهداف المجتمع الاقتصادية والاجتماعية بالرغم من أن الفكر الاقتصادي السائد في هذه الفترة والذي يتزعمه جون ماينرد كينز الذي يؤمن بدوره بالحرية الاقتصادية والمبادرة الفردية، إلا أنه يعطي للدولة دورا جديدا متميزا في النشاط الاقتصادي، وبذلك أصبح علم المالية العامة أكثر تعبيرا عن فكرة المالية الوظيفية، فاتسعت دائرة الإنفاق العام وتعددت ميادينه، كما تغيرت النظرة اتجاه الضرائب فلم تعد أداة لجمع المال فقط بل تعددت وتنوعت أهدافها، واتخذت ميزانية الدولة طابع وظيفي فلم يعد هدفها مجرد إيجاد توازن حسابي بين الإيرادات العامة للدولة ونفقاتها، وإنما يهدف إلى تحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي ورفع مستوى معيشة الملايين من المواطنين.
ثانيا- تعريف المالية العامة:
ارتبط مفهوم ومضمون المالية العامة في تطوره ارتباطا وثيقا بتطور دور الدولة في النشاط الاقتصادي، وبعد أن كان علم المالية العامة في المفهوم التقليدي مقتصرا على البعد المالي الحسابي فقط، أصبح هذا المفهوم في العصر الحديث له أبعاد متعددة بعضها اقتصادية وأخرى اجتماعية ومالية.
وعرفت المالية العامة قديما بأنها العلم الذي يتناول بالبحث نفقات الدولة وإيراداتها أو بمعنى آخر هي العلم الذي يتناول تحليل حاجات الدولة والوسائل التي تشبع بها هذه الحاجات.
والمالية العامة في معناها الحديث: هي دراسة لاقتصاديات القطاع العام، كما عرفها آخرون بمايلي: المالية العامة هي ذلك العلم الذي يبحث في نشاط الدولة عندما تستخدم الوسائل والأساليب المالية بشقيها الايرادي والانفاقي لتحقيق أهداف المجتمع بمختلف اتجاهاتها الاقتصادية والاجتماعية والمالية.
ومن التعريف السابق نستنج عدة عناصر أساسية تكون في مجموعها مضمون دراسة المالية العامة:
1-
تحديد حجم الحاجات العامة الواجبة الإشباع.
2-
تحديد الوسائل والأدوات التي بموجبها يتم توفير الموارد لإشباع حاجت المجتمع.
3-
تحديد تأثير نشاط الدولة على الاقتصاد القومي ككل.
ثالثا- الحاجات العامة:
تعرف الحاجة العامة بأنها الحاجة الجماعية التي يقوم النشاط العام بإشباعها ويترتب على إشباعها منفعة جماعية.
وتقسم الحاجات من حيث إشباعها إلى قسمين: قسم يقوم بإشباعه النشاط الخاص وهو ما يعرف بالحاجات الخاصة أو الفردية كالحاجة إلى الغذاء والكساء والمأوى الخ، وقسم يقوم بإشباعه النشاط العام وهو ما يعرف بالحاجات العامة أو الجماعية كالحاجة إلى العدالة والأمن والدفاع …الخ ويشعر بها الناس مجتمعين، ويمكن ملاحظة أنه لا توجد فروق جوهرية بين الحاجات الخاصة والعامة، باستثناء بعض الحاجات الجماعية الأساسية التي لا يمكن بطبيعتها أن يقوم بأدائها غير الهيئات العامة، فإن جميع الحاجات الأخرى، وتشكل الغالبية العظمى، ليست لها مميزات خاصة تجعل إشباع بعضها متوقفا على الهيئات العامة وإشباع البعض الآخر قاصرا على جهود الأفراد.
وبما أنه لا توجد فوارق موضوعية ولا حدود ثابتة بين الحاجات العامة والخاصة، فإن ما يعتبر حاجة عامة في دولة ما قد يسمح القيام به من طرف الأفراد في دولة أخرى، وفي نفس الدولة ما يعتبر اليوم حاجة عامة، كان في عصر مضى حاجة خاصة، فحدود الحاجات العامة في مجتمع معين وفي لحظة معينة يتوقف على طبيعة دور الدولة السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
ويمكن تقسيم الحاجات العامة بحسب خصائصها وطبيعتها إلى عدة أنواع:
1- الحاجات العامة غير القابلة للتجزئة:
وهي الحاجات التي لا يمكن تجزئة إشباعها وتجزئة المنفعة المتولدة عنها بالنسبة لفرد أو مجموعة من الأفراد دون البعض الآخر، فإشباع الحاجة إلى الأمن الداخلي والدفاع الخارجي وإقامة العدالة لابد أن يتم بالنسبة إلى جميع الأفراد ككل لا يتجزأ، ويتميز هذا النوع من الحاجات العامة بالسمات الآتية:
أ-إن الكمية المستهلكة من هذه الخدمات تكاد تكون متساوية بين جميع الأفراد.
ب-لا يمكن تطبيق مبدأ الاستبعاد في مثل هذه الحاجات العامة.
ج-هذه الحاجات غير قابلة للتجزئة ويستحيل استبعاد أي فرد من التمتع بمنافع هذه الخدمات.
2- الحاجات المستحقة:
هناك نوع آخر من الحاجات يمكن تجزئتها، أي تجزئة إشباعها ويعني هذا إمكانية فصل حاجة الأفراد عن حاجة البعض الآخر، ويتوقف حدود هذه الخدمات أو الحاجات على الطبيعة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لدور الدولة في المجتمع، وهي حاجات يمكن أن يترك أمر القيام بها لنشاط الخاص غير أن الهيئات العامة تقوم بها إذا كانت هناك منفعة عامة تستدعيها، ويرجع ذلك إلى عوامل عدة منها:
-
إن المنفعة الاجتماعية التي تعود من إشباع هذه الحاجات أكبر من المنفعة الفردية.
-
الأولوليات الاجتماعية السائدة تحتم الإشباع الجماعي لهذه الحاجات.
-
الاعتبارات السياسية والاستراتيجية …الخ، ومن أمثلة هذه الحاجات المستحقة، الحاجة إلى التعليم العام والصحة والنقل والمواصلات والمياه والكهرباء والغاز …الخ.
3- السلع الفردية التي يقوم النشاط العام بإشباعها:
وهذه السلع بإمكان النشاط الخاص أو جهاز السوق أن يقوم بتوجيه الموارد الضرورية لإشباعها، إلا أنه ولاعتبارات مختلفة استراتيجية وسياسية واجتماعية واقتصادية يقوم النشاط العام بإنتاج هذه السلع والخدمات، مثل صناعة الأسلحة، صناعة الحديد والصلب، وكافة الصناعات الأخرى التي يقوم النشاط العام من خلال المشروعات العامة بإنتاجها، ويتسع نطاق هذا النوع من السلع كلما زاد تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية أو في ظل ما يسمى بالدولة المنتجة أو المتدخلة.
رابعا-السياسة المالية:
تعرف المالية العامة بأنها مجموعة القرارات التي يترتب عليها تحديد طريقة ونمط استخدام مختلف العناصر المالية وتوجيهها والتنسيق بينها لتحقيق أهداف السياسة الاقتصادية وذلك في نفس الوقت الذي تقوم فيه هذه العناصر بوظائفها الأساسية.
وتتجدد عادة السياسة المالية بالأهداف التي تسعى إلى تحقيقها السياسة الاقتصادية، فالسياسة المالية يجب أن تكون متكاملة مع عناصر السياسة الاقتصادية الأخرى، وتتضمن السياسة المالية تكييفا كميا لحجم الإنفاق العام والإيرادات العامة، بالإضافة إلى التكييف النوعي لأوجه هذا الإنفاق ومصادر هذه الإيرادات بغرض تحقيق أهداف معينة وفي مقدمتها النهوض بالاقتصاد القومي، وتحقيق التشغيل الكامل، الاستقرار الاقتصادي، تحقيق العدالة الاجتماعية، إتاحة الفرص المتكافئة لجهود المواطنين بالتقريب بين فئات المجتمع والتقليل من التفاوت بين الأفراد في توزيع الدخول والثروات الخ، وتستخدم الدولة في سعيها لتحقيق هذه الأهداف كافة الوسائل والأدوات المتاحة بدءا من استخدام سلطتها السيادية في سن القوانين واللوائح والتشريعات المختلفة، كما تستخدم أسلحة السياسة المالية: ( الضرائب، النفاقات، والقروض العامة).
خامسا-المالية العامة والمالية الخاصة:
يقصد بالمالية العامة مالية السلطات العامة أي مالية القطاع الحكومي، أما المالية الخاصة يقصد بها مالية الأفراد والمشروعات الفردية والشركات بأنواعها، ويمكن القول أنه في الوقت الذي يحدد فيه دخل الفرد مقدار ما يستطيع إنفاقه، فإن السلطات العامة هي التي تحدد مقدار ما يجب أن تحصل عليه من دخل أو إيراد، فالدولة لها القدرة على تكييف إيراداتها وفقا لنفقاتها العامة، ويرجع ذلك إلى أن دخل الفرد محدود، بينما الدولة فلا حد لسلطانها في فرض الضرائب وإصدار القروض وزيادة مواردها بشتى الوسائل.
ويمكن تمييز المالية العامة على المالية الخاصة في مايلي:
1- من حيث الهدف: يسعى الفرد إلى تحقيق منفعته الخاصة أما بالنسبة للدولة فهي تهدف إلى تحقيق المنفعة العامة.
2- من حيث الأساس: فالفرد يسعى إلى تحقيق منفعته الخاصة في إطار من الحرية، أما الدولة فإن نفقاتها واجبة لضمان سير المرافق العامة.
3- من حيث التنظيم: تقوم بالنسبة للفرد على أساس المالكية الفردية، أما بالنسبة للدولة فهي تقوم على أساس ملكية عامة كلية كانت أم جزئية.
سادسا-علاقة المالية العامة بالعلوم الأخرى:
تمثل المالية العامة مظهرا من مظاهر الحياة الاجتماعية في الدول المعاصرة، ومن الطبيعي والمنطقي أن توجد علاقة بين هذا المظهر وغيره من مظاهر الحياة الاجتماعية من اقتصاد وسياسة وقانون وأخلاق وعلم النفس والمحاسبة والإحصاء وغير ذلك.
-فالعلوم السياسية تهتم بدراسة نظم الحكم وعلاقة السلطات العامة ببعضها البعض وعلاقتها بالأفراد، والمالية العامة تبحث في الإيرادات والنفقات لنفس هذه الهيئات، بالإضافة إلى ذلك فإن الأوضاع الدستورية والإدارية في بلد معين أثرها في ماليتها العامة، فالنفقات والإيرادات العامة تختلف بحسب ما إذا كانت الدولة استبدادية أو ديمقراطية، ذات نظام إداري مركزي أو لا مركزي، كما أن الظروف المالية لها بدورها أثر هام في أوضاع الدولة السياسية فكم من دولة فقدت استقلالها السياسي وتعرضت لنشوب الثورات والقلاقل فيها بسبب اضطراب ماليتها العامة وعدم استقرارها.
هذا ويعتبر وضع ميزانية الدولة عملا سياسيا، لأن الحكومة تترجم سياستها عن طريق الاعتمادات التي تدرجها في ميزانيتها فيتضح منها نطاق واتجاه الدور الذي تزمع السير عليه في التطبيق.
-أما عن علاقة المالية العامة بعلم القانون: فإن مضمونها يتبلور في أن القانون هو الأداة التنظيمية التي يلجأ إليها المشرع لوضع القواعد العامة الملزمة في مختلف الميادين ومنها الميدان المالي، فتأخذ مختلف عناصر المالية العامة من نفقات وإيرادات وميزانية، شكل قواعد قانونية، دستور، قانون لائحة وأمر إداري مما يستوجب الإلمام بالفن القانوني لفهم هذه القواعد وتفسيرها.
ومجموع هذه القواعد القانونية تدعى بالتشريع المالي وهو عبارة عن مجموعة القواعد القانونية التي تنظم شؤون الدولة المالية وعلى وجه الخصوص دراسة ظواهر المالية العامة من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية وتحديد ما بين تلك الظواهر من صلات.
والصلة بين كل من المالية العامة والتشريع المالي وبين فروع القانون الأخرى واضحة وقوية، فالدستور يتضمن القواعد الأساسية المنظمة لمختلف جوانب المالية العامة والتي يتعين أن توضع القوانين المالية في حدودها، فهو ينظم النفقات العامة والشروط الأساسية لفرض الضرائب وعقد القروض وقواعد إقرار الميزانية أو اعتمادها بواسطة السلطة التشريعية وكيفية مراقبة تنفيذها، والقانون الإداري ينظم طريقة سير المرافق العامة وهذا يحتاج إلى نفقات عامة يبحثها علم المالية العامة.
-أما علاقة المالية بالاقتصاد فهي أهم تلك العلاقات جميعا، فالاقتصاد يتناول بالبحث كيفية استغلال الموارد المحدودة لإشباع الحاجات الإنسانية وعليه فمن وظائف الدولة إشباع حاجات أفراد المجتمع، وإن ما تتضمنه الضرائب من مسائل وما تنطوي عليه من أمور يعتبر أصلا جزءا من المشكلة الاقتصادية، هذا ويستند الباحث في علم المالية العامة إلى كثير من النظريات الاقتصادية، من ذلك أن مبدأ الضريبة التصاعدية يستند إلى نظرية المنفعة الحديثة، فالإلمام بمبادئ الاقتصاد يعد شرط أساسي لتفهم موضوعات المالية العامة، وتزداد أهمية الأمر المتقدم وضوحا إذا علم أن معظم البحوث المتعلقة بالسياسة المالية يقع في ميدان المشكلات الاقتصادية، فالضرائب والإنفاق الحكومي والقروض العامة على سبيل المثال تعتبر كلها أدوات للتوجيه الاقتصادي الحديث يمكن للدولة أن تستخدمها للتأثير على مستوى الدخل القومي ومجرى النشاط الاقتصادي بصفة عامة.
-أما عن العلاقة بين المالية العامة وعلم الأخلاق فإن كثيرا من الأمور التي تشملها السياسة العامة للدولة تتضمن أحكاما قيمية تمتد جذورها في ميادين الفلسفة والأخلاق، وواضح أن العديد من مشكلات المالية العامة، كفرع من فروع الدراسة الاقتصادية والاجتماعية، تتعلق بالسلوك الإنساني الذي يقع في دائرة بحث علم النفس، فالضرائب مثلا بمالها من تأثير على مجموعة الحوافز لا شك أنها تستلزم دراسة وافية للدوافع الإنسانية.
-أما عن صلة المالية العامة بالمحاسبة فهي وثيقة أيضا، إذ يستلزم البحث في كثير من موضوعات المالية العامة وخاصة الضرائب الإلمام بأصول المحاسبة والمراجعة وفنونها، من استهلاكات وجرد واحتياطات ومخصصات وعمل الحسابات الختامية والميزانية العمومية للمنشآت التجارية والصناعية وغيرها، ومن ناحية أخرى فإن أعداد ميزانية الدولة وتنفيذها والرقابة عليها يتضمن استخدام النظم المحاسبية الفنية.
-علاقة المالية العامة بالإحصاء:
يعتبر علم الإحصاء من العلوم المساعدة لعلم المالية العامة والتي لا غنى عنها في دراسة ورسم السياسة المالية للدولة، إذ يتطلب رسم السياسة المالية توافر البيانات والمعلومات الإحصائية الخاصة بالدخل القومي وتوزيع الثروة والدخول بين طبقات المجتمع وعدد السكان وتوزيعهم من حيث السن والمناطق الجغرافية وحالة ميزان المدفوعات وغير ذلك من الإحصاءات التي لا غنى للباحثين في المالية العامة عنها لأهميتها البالغة عند دراسة ورسم السياسة المالية للدولة.

لمزيد من التفاصيل يمكن الرجوع إلى المراجع التالية:
------------
1- د.رياض الشيخ، ود.عمرو محي الدين : "المالية العامة دراسة الاقتصاد العام والتخطيط المالي"، دار النهضة العربية، 1974.
2- د.عادل أحمد حشيش ود.مصطفى رشدي شيحة: "مقدمة في الاقتصاد العام، المالية العامة"، دار الجامعات الجديدة للنشر، مصر 1998.
3- د.حامد عبد المجيد دراز: "مبادئ الاقتصاد العام"، الدار الجامعية، مصر 1998.
4- د.عادل أحمد حشيش: "مدخل لدراسة أصول الفن المالي للاقتصاد العام أساسيات المالية العامة"، دار النهضة العربية، بيروت 1998.
5- د.صالح الرويلي: "اقتصاديات المالية العامة"، د.م. الجامعية، الجزائر 1992.
----------
النفقات العامة


EmoticonEmoticon