الخميس، 26 نوفمبر 2015

التـــــــراضي في القانون المدني

                    ۩  البـــــــــــــــاب الأول : التـــــــراضي

حسب المادة 59 من "ق م ج " يتم العقد بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن إرادتهما المتطابقتين ،دون الإخلال بالنصوص القانونية ".

                      ۩-الـــــــــــفصل الأول : وجـــــــود التراضي

ندرس في هذا الفصل :
المبحث 1-التعبير عن الإرادة
المبحث 2-تطابق الإراديتين
المبحث 3- النيابة في التعاقد .



المبحـــــــــث الأول : التعبير عن الإرادة :
كقاعدة عامة التعبير لا يخضع لشكل ما. في هذا الإطار ،تنص المادة 60 من "ق.م" "التعبير عن الإرادة يكون باللفظ وبالإشارة المتداولة عرفا،كما يكون باتخاذ موقف لا يدع أي شك في دلالته على مقصود صاحبه.ويجوز أن يكون التعبير عن الإرادة ضمنيا إذا لم ينص القانون أو يتفق الطرفان على أن يكون صريحا ".
التعبير الصريح : مثلا : الكتابة ) عقد ( ، الكلام ( موافقة / مفاوضة ( ، الإشارة

 ) " للبيع "...( ، اتخاذ موقف : عرض أشياء في السوق أو في محل تجاري

التعبير الضمني : مثلا : البقاء في محل تجاري بعد انتهاء مدة الكراء

المبحــــــــــث الثاني : توافق الإراديتين
في هذا الإطار ندرس : في الطلب الأول :
في المطلب الأول : " الإيجاب " أو الوعد بالتقاعد ( كإرادة أولى )
وفي المطلب الثاني : القبول)كإرادة ثانية(

المطلـــــــــب الأول : ( الإيجاب) أو الوعد بالتقاعد:
تعريف الوعد بالتقاعد ( أو الإيجاب ) : هو التعبير البات عن إرادة أحد الطرفين،صادر
عن موجهه إلى الطرف الآخر،بقصد إبرام عقد بينهما .
-يجب أن يكون الوعد بالتقاعد كاملا،أي مشتملا على العناصر الأساسية للعقد المراد إبرامه.
)مثلا : إذا كان الوعد بالتعاقد مصحوب بتحفظ ،فيعتبر مجرد دعوى إلى التقاعد(.
وهكذا يجب القول أن في غياب وعد باتا للتعاقد لا يمكن أن نتحدث عن أية مسؤولية عقدية خاصة مرحلة العرض والمفاوضة
كي ينتج الوعد بالتعاقد أثره ، يجب أن يوصا إلى علم الشخص الذي وجه إليه .
القانون المدني الجزائري تكلم عن "الوعد بالتقاعد " في المادتين 71و72 تنص المادة 71 أن : "الاتفاق الذي يعد له المتعاقدين أو أحدهما بإبرام عقد معين في المستقبل ،لا يكون له أثر إلا إذا عينت جميع المسائل الجوهرية للعقد المراد إبرامه ،و المدة التي يجب إبرامه فيها"  كما تنص المادة 72 أن " إذا وعد شخص بإبرام عقد ثم نكل وقاضاه المتقاعد الأخر طالبا تنفيذ الوعد، وكانت الشروط اللازمة لتمام العقد "
 وفي الأخير يجب أن نفرق بين الوعد بالعقد و الوعد بالتعاقد ( أو الإيجاب ).

الوعد بالعقد  هو اتفاق   أما الوعد بالتعاقد ( أو الإيجاب الملزم ) : فإرادة منفردة.


المـــــــطلب الثاني : القبـــــــــول
القبول يجب أن يكون باتا ،أي ينطوي على نية قاطعة و أن يوجه إلى صاحب الوعد بالتقاعد (أو الإيجاب ) و أن يطابق الإيجاب مطابقة تامة.
 لكن ما هو الحل إذا اقترن القبول بما يزيد في الإيجاب أو يقيد منه ، أو يعدل فيه ؟
هذه الحالة يعتبرها البعض : رفضا يتضمن إيجابا جديدا.
لكن المشرع قرر في المادة 65 من القانون المدني أن " إذا اتفق الطرفين على جميع المسائل الجوهرية في العقد و احتفاظا بمسائل تفصيلية يتفقان عليها فيما بعد ولم يشترطا أن لا أثر للعقد عند عدم الاتفاق عليهما ،أعتبر العقد منبرما و إذا قام خلاف على المسائل التي لم يتم الاتفاق عليهما فإن المحكمة تقضي فيها لطبيعة المعاملة ولا حكام القانون والعرف و العدالة ".
مشكل القبول في "عقود الإذعان"  ) .أنظر المواد 70 / 110 و 112 ق.م (

المـــــــــطلب الثـــــــــــالث : اقتران القبول بالإيجـــــاب
لكي يبرم ( ينعقد ) العقد ، لا يكفي صدور الوعد بالتعاقد ( أو الإيجاب ) و القبول ، بل يجب أن يتلاقيا.
بمعنى آخر يجب أن يعلم كل من العاقدين بالإيجاب و القبول .
فيما يخص التعاقد بين حاضرين في مجلس العقد :
مثلا : إذا صدر الإيجاب في مجلس العقد ، و لكن لم يعين ميعاد للقبول فإن الموجب يتحرر من إيجابه إذا لم يصدر القبول فورا.
بصفة عامة يجب القبول أن " الإيجاب يسقط إذا لم يقبل فورا ". وهذا طبقا للمادة 64 من القانون المدني التي تنص أن " إذا صدر إيجاب في مجلس العقد لشخص حاضر دون تحديد أجل القبول فإن الموجب يتحلل من إيجابه إذا لم يصدر القبول فورا و كذلك إذا صدر الإيجاب من شخص إلى آخر بطريق الهاتف أو بأي طريق مماثل.
غير أن العقد يتم ،و لو يصدر القبول فورا ، إذا لم يوجد ما يدل على أن الموجب قد عدل عن إيجابه في الفترة ما بين الإيجاب و القبول ، و كان القبول صدر قبل أن ينقض مجلس العقد. فيما يخص مسألة " العربون كخيار للعدول عن العقد ":
تعريف  العربون : هو مبلغ يدفعه أحد العاقدين للآخر عند انعقاد العقد.
-البعض يعتبرون العربون " كتنفيذ جزئي للعقد " و البعض الآخر يعتبرون العربون كخيار للعدول عن العقد.
فيما يخص التعاقد بين غائبين ( أو التعاقد بالمراسلة)
عند ما يتم العقد بالمراسلة ، هو الوقت الذي يعتبر فيه منعقدا عل وجه التحديد ؟
هل هو الوقت الذي فيه القابل عن قبوله ؟ (هذه نظرية" صدور القبول )
أم هو الوقت الذي يصل فيه القبول إلى علم الموجب ؟ (هذه نظرية " علم الموجب بالقبول" ) هذه المسألة قد نوقشت بشدة حيث أن تحديد زمان العقد يترتب عليه تعيين الوقت الذي يبدأ فيه تنفيذ العقد.
المشرع الجزائري أختار النظرية الثانية ، أي نظرية " وصول القبول " في المادة 67 من القانون المدني التي تنص أن : " يعتبر التعاقد ما بين الغائبين قد تم في المكان و في الزمان اللذين يعلم فيهما الموجب بالقبول ، ما لم يوجد اتفاق أو نص قانوني يقضي بغير ذلك ، ويفترض أن الموجب قد علم بالقبول في المكان ، و في الزمان اللذين وصل إليه فيهما القبول"


المبحث الثــــالث : النيـــــــــــابة في التعـــــــــــــاقد

تعريف النيابة في التعاقد : هي حلول إرادة النائب  محل إرادة الأصيل في إنشاء تصرف قانوني ، مع إضافة آثار ذلك التصرف إلى الأصيل.
مبدئيا : النيابة تجوز في كل تصرف قانوني
ولكن القانون يمنع النيابة في المسائل المحددة كعقد الزواج ، حلف اليمين.
يجب التفريق ما بين : النيابة القانونية : مثلا : الوالي ، الحارس القضائي…. والنيابة الاتفاقية : الناشئة عن عقد الوكالة ) أو الوكالة النيابة (.



النيابة تخضع إلى ثلاثة شروط :
1- أن تحل إرادة النائب محل إرادة الأصيل
2-أن يكون التعاقد باسم الأصيل
3-ألا يجاوز النائب الحدود المرسومة لنيابته

يجب أن نفرق بين النيابة و الاسم المستعار :
الاسم المستعار : هو ناشئ كذلك عن عقد وكالة : و لكن في هذا العقد يتفق الموكل أن مع الوكيل أن يعقد الوكيل عقد باسمه هو ، لا باسم الموكل ، ثم ينقل فيها بعد أثار هذا العقد إلى الموكل.

مسألة : تعاقد الشخص مع نفسه
تعريف : هو حالة شخص يتعاقد بالنيابة عن كل من الطرفين الآخرين ، أو بالنيابة عن أحدهما و بالأصالة عن نفسه.
هذا التعاقد مع النفس يعتبر عقد حقيقي يقترن فيه إيجاب و قبول ، و لو أن الإيجاب و القبول صادرين عن طرف واحد.
المشرع الجزائري أعتبر التعاقد مع النفس غير جائز بحيث من الممكن أن يغلب النائب مصلحته أو مصلحة أحد الطرفين على الآخر .
و هكذا تنص المادة 77 من القانون المدني : " لا يجوز لشخص أن يتعاقد مع نفسه باسم من ينوب عنه سواء كان التعاقد لحسابه شخص آخر، دون ترخيص من الأصيل على أنه يجوز للأصيل في هذه الحالة أن يجيز التعاقد كل ذلك مع مراعاة ما يخالفه ، مما يقضي به القانون و قواعد التجار "



                      ۩  الفصل الثــــــــــــاني : صحــــــــة التراضي
الشروط اللازمة لتكوين العقد هي ثلاثة :
1-رضــى الطرفين
2-موضوع أو محل العقد .
3-السبب.
و يجوز إبطال العقد إذا فقد شرط من هذه الشروط الثلاثة .
فضلا عن ذلك ، أن صحة العقد تشترط :
من جهة : أن يكون الطرفان أهلا لإبرامه ( الأهلية. (
و من جهة أخرى : أن لا يقع الرضى مشوبا بعيب الغلط  أو الغش التدليس أو الإكراه  و حتى في بعض الحالات بعيب الغبن  و الاستغلال.
و يجوز كذلك إبطال العقد إذا فقد أحد هذين الشرطين أي الأهلية  و الرضا.
وسنستعرض بإيجاز في هذا الفصل في : المبعث الأول : أحكام عامة في الأهلية وفي المبحـــــث الثــــاني : عيــــــــوب الــــــــرضى.

المبحــــــــــث الأول : الأهليــــــــــــــــــــة
يجب الملاحظة أن عدم الأهلية أو نقصها هو قرينة قانونية قاطعة على عيب الإرادة
بعكس العيوب الأربعة الأخرى ، فإنه يجب إثباتها
حسب المادة 78 من القانون المدني التي تنص : " كل شخص أهل للتعاقد ما لم تسلب أهليته أو يحد منها بحكم القانون "
كما تنص المادة 45 من القانون المدني أن : " ليس لأحد التناول عن أهليته و لا لتغيير أحكامها

المبحــــــــث الثــــــــــاني : عيوب الرضا

يجب أن يكون رضاء المتعاقدين سليما ، أي خاليا من كل عيب.
و عيوب الرضا هي :

المطلب الأول :   الغلط
المطلب الثاني :   الغش أو التدليس
المطلب الثالث :   الإكراه
المطلب الرابع :    الاستغلال أو الغبن

المطلب الأول : الغــــــــلط
تعريف  الغلط : هو الاعتقاد بصحته ما ليس بصحيح أو بعدم صحة ما هو صحيح و هو عيب من عيوب الرضى : إذا يسمح القانون لمن وقع فيه أن يطلب إبطال العمل الحقيقي ، عندما يبلغ حدا كافيا من الجسامة .
(مثال ذلك أن يعقد شخصان عقدا ، الأول منهما يبغى من وراء هذا العقد بيع ماله ، والثاني يعتقد إستجاره (
و مثاله أيضا أن يشتري إنسان شيئا يعتقد أنه قديم بينما هو حديث
و العكس ، فإذا ذكرت في العقد، بعض الشروط ثم لم تتوفر فإن العقد لا يوصف بأنه قابل للإبطال للغلط، وإنما يكون صحيحا قابلا للفسخ لعدم إمكان تنفيذه بالصورة المتفق عليها.

النظرية التقليدية تقول بثلاثة أنواع من الغلط هي :
1-النوع الأول من الغلط : هو الغلط الذي يبطل العقد بطلا مطلقا، بعبارة أخرى ، هو الغلط الذي يعدم الرضا ، و يكون في ماهية العقد ، أو في ذاتية محل الالتزام ، أو في سبب الالتزام.

2-النوع الثاني من الغلط : هو الغلط الذي يبطل العقد بطلانا نسبيا ، و يكون في حالتين هما الغلط في مادة الشيء ، والغلط في شخص المتعاقد ، إذا كانت شخصيته محل اعتبار.
3- النوع الثالث من الغلط : هو الغلط الذي أثره له في صحة العقد ، أي الغلط فيه صفة غير جوهرية.


المشرع الجزائري وضع معيار عاما ، و أخذ بالمعيار الذاتي في المادتين 81 و 82 من القانون المدني .
حسب المادة 81 : " يجوز للمتعاقد الذي وقع في غلط جوهري وقت إبرام العقد ، أن يطلب إبطاله."
و تضيف المادة 82 من نفس القانون ." يكون الغلط جوهريا إذا بلغ حدا من الجسامة بحيث يمتنع عن إبرام العقد لو يقع في هذا الغلط ".
مشكلة التوقيت بين احترام مبدأ سلطان الإرادة و استقرار المعاملات :
لعدم وقوع انهيار العقود و لحماية التعامل يجب :
1- على مدعى الغلط أن يقيم الدليل
2- أن يكون الغلط جوهري

قضية الغلط في القانون ، و الغلط في الواقعة
تنص المادة 83 من القانون المدني : " يكون العقد قابلا للإبطال لغلط في القانون إذا توفرت فيه شروط الغلط في الواقع طبقا للمادتين 81 و 82 ما لم يقض القانون بغير ذلك".
نستخلص من المادة 83 أن الغلط في القانون كالغلط في الواقعة كلاهما يعيب الرضا بشرط :
1- أن يكون الغلط جوهريا ( طبقا للمادتين 81 و 82 )
2-إذا ما لم يقضي القانون بغير ذلك ( مثلا المادة 465 التي تنص أنه " لا يجوز الطعن
في الصلح بسبب غلط في القانون (." 
3-بشرط أن يقع هذا الغلط في قاعدة قانونية ثابتة ،أي واردة في التشريع أو استقر عليها القضاء ، و ليست محل أي خلاف.
"الجهل بالقانون ليس عذرا "
قضية الغلط الذي يتعارض مع ما يقضي به حسن النية :
المادة 85 من القانون المدني تنص " ليس لمن وقع في الغلط أن يتمسك به على وجه
بتعارض مع ما يقضي به حسن النية
ويبقى بالأخص ملزما بالعقد قصد إبرامه إذا أظهر الظرف الآخرإستعداده لتنفيذ هذا العقد".
و يمكن أن يقال حسن النية هنا يقصد به نزاهة التعامل.
قضية الغالط الفاضح ، أو الغلط الغير مسموح هو الغلط الناشئ عن الجهل فاضح،أو إهمال
أو عدم المعاينة للشيء المتعاقد عليه ، أو لعدم قراءة نصوص العقد.


المطــــــلب الثـــــــاني : الغش أو الخداع أو التدليس


تعريف : بعض الفقهاء يقولون أن : التدليس هو أن يستعمل أحد طرفي العقد،وسائل غايتها تضليل الطرف الآخر: و الحصول على رضاه في الموافقة على عقد أي عمل حقوقي آخر.
بعض الآخرين من الفقهاء يقولون أن : التدليس هو نوع من الغش، يصاحب تكوين العقد، و هو إيقاع المتعاقد في غلط يدفعه إلى التعاقد نتيجة استعمال الحيلة.
التدليس يؤدي حتما إلى الغلط ، بحيث يمكن القول بعدم جدوى نظرية التدليس ، اكتفاء بنظرية الغلط .
و التدليس يعيب الإرادة في جعل العقد قابلا للإبطال
و التدليس نتيجة حيلة .
و الحيلة خطأ عمدي يستوجب التعويظ طبقا لقواعد المسؤولية التقصيرية.
يستنتج من هذا التعريف أن التدليس يفترض : أربعة شروط :
الشرط 1 : استعمال الوسائل ( أو الطرق ) ، الإحتيالية .
الشرط 2 : نية التضليل .
الشرط 3 : اعتبار التدليس الدافع إلى العقد .
الشرط 4 : أن يكون التدليس صادر من المتعاقد الآخر
( أو على الأقل أن يكون متصلا به)
الشرط الأول : استعمال وسائل إحتيالية :(عنصر مادي )
يكفي الكذب.
أو مجرد الكتمان  ، إذا كان المدلس عليه جاهلا للأمر المكتوم عنه ،
و لا يستطيع أن يعرفه من طريق آخر ، (مثلا : في عقود التأمين )
مثلا و حسب المادة 86 الفقرة 2 من القانون المدني :" يعتبر تدليسا السكوت عمدا عن واقعة أو ملابسة ( ) إذا ثبت أن المدلس عليه ما :أن ليبرم العقد لو علم بتلك الواقعة أو هذه الملابسة ". 
الشرط الثاني : توافر نية التضليل لدى المدلس ، مع قصد الوصول إلى غرض غير مشروع.
( عنصر معنوي)
- أما إذا كان الغرض مشروعا فلا تدليس .
الشرط الثالث : اعتبار التدليس الدافع للتعاقد :
-حسب المادة 86 الفقرة 1 من القانون المدني : " يجوز إبطال العقد للتدليس إذا كانت الحيل التي لجأ إليها المتعاقدين أو النائب عنه ، من الجسام بحيث لولاها لما إبرام الطرف الثاني العقد ".
كما نلاحظ في المادة 86/1 المعيار شخص هنا و قاضي الموضوع هو الذي يقضي في ذلك.
وهذا التفرقة بين التدليس الدافع للتعاقد ، و التدليس غير الدافع ، هي السائدة في الفقه التقليدي ، و ينتقدها كثير من الفقهاء اللذين يرونا أن التدليس هو تضليل و سوءا دفع إلى التعاقد ، أو اقتصر أثره على قبول بشروط أبهظ ، يعيب الرضا و يجيز طلب إبطال العقد.
الشرط الرابع : أن يكون التدليس صادر من التعاقد الآخر ، أو على الأقل يكون متصلا به.
تنص المادة 87 من القانون المدني أن : " إذا صدر التدليس من غير المتعاقدين ، فليس للمتعاقد المدلس عليه أن يطلب العقد ، ما لم يثبت المتعاقد الآخر كان يعلم ، أو كان من المفروض حتما أن يعلم بهذا التدليس"
وحسب المادة 87 يجب إذن أن يصدر التدليس من العاقد نائبه(المشار إليه في المادة 86 )، و يرى البعض أن كلمة نائب تعمل على محل التوسع لتشمل كل من يعارض العاقد في إنشاء العقد.
و لكن المادة من التدليس عالما به ، أو من المفروض حتما أن يعلم به.
في النهاية أن التدليس لا يؤثر في صحة العقد إذا صدر من غير
المتعاقد أو نائبه.
نقطة أخيرة : هل تغني نظرية الغلط ، عن نظرية التدليس.
حسب أغلب الفقهاء : أن نظرية الغلط لا تغني عن نظرية التدليس ،لأنه في النظرية
التقليدية للغلط لم يكن الغلط في القيمة ، أو في الباعث، يبطل العقد في حين أنه لو حدث
شيء من ذلك نتيجة التدليس يكون العقد باطلا بطلانا نسبيا.
و من جهة أخرى كان يمكن إبطال العقد للغلط حيث لا يمكن إبطاله للتدليس في حالة صدور التدليس من أجنبي.
و في الأخير يجب القول أنه إذا كان الغلط يغني عن التدليس ( ) فإن التدليس
لا يمكن أن يغني عن الغلط (


المـــــــطلـــــــب الثالث : الإكــــــــــراه

تعريف الإكراه : هو الظغط المادي أو المعنوي الذي يوجه إلى شخص بغية حمله التعاقد.
تعريف ثاني : الإكراه هو الظغط بقصد الوصول إلى غرض مشروع يعترض له العاقد، فيولد في نفسه رهبة تدفعه إلى التعاقد.
المعيار الموضوعي للغلط : يأخذ بعين الاعتبار الظغط الذي يتأثر به الرجل الشجاع أو ذو التمييز.
بعض الفقهاء انتقدوا المعيار الموضوعي لجموده.
أما المعيار الذاتي للظغط : فيأخذ بعين الاعتبار
مثلا : سن العاقد. - حالته الاجتماعية و الصحية. -الجنس - الدورة أو الأنوثة
و هذا المعيار الذاتي يتناسب مع حالة كل عاقد في ذاته.
القانون المصري الحالي : أخذ بالمعيار الذاتي وحده.
القانون الفرنسي : جمع بين المعيارين ( الموضوعي و الذاتي )
المتعارضين.
أما القانون الجزائري : فأخذ بالمعيار الذاتي ، حيث أن المادة 88 من القانون المدني تنص : " يجوز إبطال العقد للإكراه إذا تعاقد شخص تحت سلطان رهبة بينة بعثها المتعاقد الآخر في نفسه دون حق و تعتبر الرهبة قائمة على بينة إذا كانت ظروف الحال تصور للطرف الذي يدعيها أن خطرا جسيما محدقا يهدده هو ، أو أحد أقاربه ، في نفس، أو جسم أو الشرف ، أو المال.
و يراعى في تقدير الإكراه جنس من وقع عليه هذا الإكراه و سنه ، وحالته الاجتماعية ، و الصحية ، و جميع الظروف الأخرى التي من شأنها أن تؤثر في جسامة الإكراه ".
- و تظيف المادة 89 من نفس القانون : " إذا صدر الإكراه من غير المتعاقدين ، فليس للمتعاقد المكره أن يطلب إبطال العقد إلا إذا أثبت أن المتعاقد الآخر كان يعلم أو كان من المفروض حتما أن يعلم بهذا الأمر".
حتى يترتب على الإكراه إبطال العقد ، أو العمل القانوني ، يجب أن يتوفر ثلاثة شروط :
الشرط الأول : استعمال وسيلة من وسائل الإكراه.
الشرط الثاني : و أن تحمل هذه الوسيلة العاقد الآخر على إبرام العقد.
الشرط الثالث : أن تصدر وسيلة الإكراه من العاقد الآخر ، أو تكون متصلة به.

ـ الشــــــرط الأول : استعمال وسيلة من وسائل الإكراه.
هذا العنصر المادي يتكون من عنصرين أساسيين :
العنصر الأول : استعمال وسيلة الإكراه لغرض غير مشروع :
إذا : الإكراه لا يتحقق إذا استعملت وسيلة مشروعة ، للوصول إلى غرض مشروع.
إنما يتحقق الإكراه إذا استعملت وسيلة مشروعة أو غير مشروعة ، للوصول إلى غرض غير مشروع . بصفة أخرى : فلا إكراه ، ما دام الغرض مشروعا.
إذا الإكراه كالتدليس لا يقوم على فكرة فساد الإرادة فقط ، و إنما يقوم كذلك على اعتبار أنه فعلا خطأ ، و من ثم يجيز طلب إبطال العقد إلى جانب طلب التعويض.

من جهة أخرى نجد أن المشرع الجزائري يعامل الإكراه معاملة التدليس الصادان من الغير كلاهما يعيب الرضا ، بشرط أن يثبت أن المتعاقد الآخر كان يعلم أو كان من المفروض أن يعلم بهذا التدليس ، أو هذا الإكراه ، أي سيئ النية كل هذا طبقا للمادتين 87 و 89 من القانون المدني .

المادة 87 أنظر التدليس ( المطلب الثاني ) .
المادة 89 أنظر الإكراه ) المطلب الثالث)
و لهذا يجب القول أنه إذا كان العاقد المستفيد من التدليس أو الإكراه حسن النية ، فلا يجوز إبطال عقده ، و ليس للعاقد ضحية التدليس أو الإكراه إلا أن يرجع على فاعل التدليس أو الإكراه على أساس المسؤولية التقصيرية.
يمكن طرح السؤال التالي : هل يمكن اعتبار الضغط باستعمال النفوذ الأدبي ( ) ، الإكراه ، يفسد الإرادة ؟
مثلا : ـ نفود الأب على ابنه -نفوذ الزوج على زوجته - الأستاذ على تلميذه .
الجواب : فإذا أخذنا بالمعيار الذاتي فإن التسلط الواقع نتيجة النفوذ الأدبي يكفي لتحقيق الإكراه ، ( في بعض الحالات (.
هذه القضية لم تقنن في التشريع الجزائري ( و المصري(.
و لكن محكمة النقص المصرية قضت بأن مجرد النفوذ الأدبي و هيبة
الأقارب لا يكفيان لبطلان العقد ، بل يجب أن يقترن ذلك بوسائل غير مشروعة
) نقص مدني في 25.2.43 (.
أما القانون الإنجليزي من جهته يعتبر أن الضغط بالاستعمال النفوذ الأدبي قد يفسد
الإرادة و يجعل العقد قابل للإبطال ، و يسميها بالتأثير غير مشروع.



العنصر الثاني : أن يكون الخطر المهدد به جسميا و حالا :
المادة 88 من القانون المدني المشار إليها سابقا تشترط أن يكون الخطر المهدد به جسيما و محدقا.
فيما يخص درجة الجسامة التي تولد الرهبة في نفس العاقد فهي مسألة متروكة لقاضي الموضوع ، و العبرة هي حالة المكره النفسية و لو كانت الوسيلة المستعملة غير جدية ، و المعيار هنا ذاتي :
مثلا: التهديد بالسحر و متى تأثير العاقد بهذا التهديد.



الشرط الثاني : أن تحمل هذه الرهبة التي يولدها الإكراه المتعاقد على إبرام العقد.
ـ هذا هو العنصر المعنوي في الإكراه.
ـ و هنا يترك لقاضي الموضوع مسألة القول بأن هذه الرهبة هي حملة المتعاقد على إبرام العقد أم لا.
ـ في تقدير هذه الرهبة يدخل القاضي في تقديرها : الحالة الشخصية للمكره لا للشخص المعتاد.
ـ كما يراعى في هذا المعيار الذاتي كل الظروف التي من شأنها أ ن يؤثر في جسامة
الإكراه : مثلا : ـ المكان
ـ الوقت الزمان
ـ باختصار يجب أن يثبت أنه لولا الرهبة لم يبرم العقد من طرف المكره.


الشرط الثــــالث : أن تصدر وسيلة الإكراه من العاقد الآخر أو تكون متصلة به :

حسب المادة 89 من القانون المدني : " إذا صدر الإكراه من غير المتعاقدين فليس للمتعاقد المكره أن يطلب إبطال العقد إلا إذا أثبت أن المتعاقد الآخر كان يعلم أو كان من المفروض حتما أن يعلم بهذا الإكراه ".
السؤال المطروح هنا هو : هل يمكن إبطال العقد في حالة إكراه ناتج عن حالة ضرورة ؟
الجواب هو : أنه بصفة عامة ، بقضي ، ببطلان أو تخفيض الشروط الباهظة التي يتعهد بها المتعاقد للإكراه في حالة الضرورة ، متى أستغلها العاقد الآخر بسؤ نية كوسيلة للضغط على الإرادة.



المطلــــب الرابع : الاستغلال - و الغـــبن
تعريف الغبن : هو المظهر المادي للاستغلال.
ـ و الغبن هو عدم تعادل البدل فهو في محل العقد ، لا في الإرادة.
3-و نلاحظ أن الغبن :
ا- لا يكون إلى في عقد معارضة محدد التبرعات )
ب- يقدر بمعيار مادي
ج-العبرة بتقدير وجوده هو وقت تكون العقد.
- نلاحظ أيضا أن نظرية الغبن المادية تطورت إلى نظرية الاستغلال النفسية ، حيث أن جانب عدم التعادل في التعاقد يقوم عنصر أخر و هو عنصر نفسي مبني على استغلال ضعف نفس المتعاقد
- بناء على هذا نلاحظ أن بعض القوانين الحديثة أخذت بنظرية عامة في الاستغلال ، إلى جانب الاحتفاظ بنظرية الغبن في الحالات المحددة التي نصت عليها.
مثلا المادة 90 من القانون المدني الجزائري أدخلت الاستغلال كعيب عام في كل العقود حيث أنها تنص أن :" إذا كانت التزامات أحد المتعاقدين متفاوتة كثيرا في نسبة مع ما حصل عليه هذا المتعاقد من فائدة بموجب العقد أو مع التزامات المتعاقد من فائدة بموجب العقد أو التزامات المتعاقد الآخر ، وتبين أن المتعاقد المغبون لم يبرم العقد للقاضي بناء على طلب المتعاقد المغبون أن يبطل العقد أو أن ينقص التزامات هذا المتعاقد و يجب أن ترفع دعوى بذلك خلال سنة من تاريخ العقد ، إلا كانت غير مقبولة.
و يجوز في العقود المعارضة أن يتوقى الطرف الآخر دعوى الإبطال ، إذا عرض ما يراه القاضي كافيا لرفع الغبن ".
و في نفس الوقت المشرع الجزائري احتفظ بالتطبيقات التقليدية للغبن
في المادة 91 التي تنص أن " يراعى في تطبيق المادة 90 عدم الإخلال بالأحكام الخاصة بالغبن في بعض العقود ".
(مثلا المادة 358 من القانون المدني التي تنص أن " إذا بيع عقار بغبن يزيد عن الخمس فللبائع الحق في طلب تكملة الثمن إلى أربعة أخماس ثمن المثل ".
إذا يمكن القول أن للاستغلال عنصرين : عنصر مادي و عنصر معنوي .
1- العنصر المادي : و هو عدم التعادل ، أو عدم التكافؤ بين التزام المغبون و التزام الطرف الآخر الذي استغله.
و يجب أن يكون فادحا أو فاحشا.
و تقرير ذلك يرجع لقاضي الموضوع . المجال التقليدي لاختلال التعادل هو عقود المعاوضات أين ينحصر الغبن بمعناه الأصلي (أو التقليدي ) أي بالمعيار المادي فقط ( لكن النظرية العصرية للاستغلال تنطبق كذلك على العقود الاحتمالية و عقود التبرعات التي كثيرا ما يتحقق فيها عملا الاستغلال مثلا :العنصر المعنوي أو النفسي : و هو استغلال ما لدى المتعاقد الآخر من طيش أو هوى للتحصيل على التعاقد معه.
و يمكن القول أن هذا العنصر المعنوي متكون بدوره بثلاثة عناصر مشار إليها في المادة 90 من القانون المدني و هي :
العنصر 1 أو أولا وجود طيش أو هوى عند أحد المتعاقدين
- تعريف الطيش : هو الخفة ، التي تتضمن التسرع و سوء التقدير.
- تعريف الهوى : هو الميل ، الذي يتضمن غلبة العاطفة و ضعف الإرادة.
ثانيا : استغلال المتعاقد لطيش أو لهوى المتعاقد الآخر.
و هكذا فإن كان المتعاقد يجهل بقيام شئ من ذلك ( طيش أو هوى ) لدى المتعاقد الآخر فالعقد صحيح لعدم توفر الاستغلال.
ثالثا : أن يكون الاستغلال هو الذي دفع المغبون إلى التعاقد.
و هنا نلاحظ أن الاستغلال يلتقي مع سائر عيوب الإرادة
و تقدير توافر عناصر الاستغلال هو مسألة متروكة لقاضي الموضوع الذي يجوز له ، بناء على طلب المغبون أن يبطل العقد أو أن ينقص التزامات المتعاقد المغبون إذا كانت التزاماته متفاوتة كثيرا في النسبة مع ما حصل عليه من فائدة بموجب العقد أو مع التزامات المتعاقد الآخر ، و تبين أن المتعاقد المغبون لم يبرم العقد إلا لأن المتعاقد الأخر قد أستغل عليه من طيش أو هوى ( المادة 90 من القانون المدني)
ملاحظة : فيما يخص الجزاء الذي يترتب على الاستغلال يجب أن نذكر أن :
1-جزاء الاستغلال هو ( حسب المادة 90 ) أما إبطال العقد ، أو إنقاص التزامات العاقد، و الاختيار يرجع هنا لتقرير المغبون.
2-ففي عقود المعاوظات يجوز للطرف الأخر أن يتوقى الإبطال إذا عرض ما يراه القاضي كافيا لرفع الغبن ( المادة 90 ).
3- دعوى الاستغلال تسقط بمضي سنة من تاريخ العقد و إلا كانت غير مقبولة ( 2-90 و لا تقبل الوقف أو الانقطاع فهي ميعاد سقوط ، و هذا حتى لا يبقى مصير العقد معلقا على دعوى مجال الإدعاء فيها متسع.
في النهاية نلاحظ أن الاستغلال عيبا من عيوب الإرادة يقترب جدا من الإكراه في حالة : الهوى الجامح ، كما يقترب من الغلط التدليس في حالة : الطيش البين



EmoticonEmoticon