الجمعة، 4 ديسمبر 2015

النفقات العامة

النفقات العامة


تمثل دراسة النفقات العامة جزءا هاما في الدراسات المالية، ويتطور البحث فيها مع تطور الفكر المالي والسياسة المالية، وترجع أهمية النفقات العامة إلى كونها الأداة التي تستخدمها الدولة في تحقيق الدور
الذي تقوم به في مختلف المجالات، فهي تعكس كافة جوانب الأنشطة العامة، وتبين البرامج الحكومية في شتى الميادين في صورة أرقام واعتمادات تخصص لكل جانب منها، تلبية للحاجات العامة للأفراد، وسعيا وراء تحقيق أقصى نفع جماعي ممكن لهم.

ومع تطور دور الدولة في التدخل لإشباع الحاجات العامة، تتطور نظرية النفقات العامة بصفة دائمة ومستمرة من حيث مفهومها، وتعدد أنواعها وتقسيماتها المختلفة، والقواعد التي تحكمها، كما تبين بوضوح الآثار الاقتصادية والاجتماعية المترتبة عليها.
ولقد حرص التقليديون على دراسة النفقات العامة في ظل المنطق الكلاسيكي الذي كان يحدد النفقات اللازمة للوفاء بالحاجات العامة التي كانت الدولة تقوم بإشباعها طبقا لمقتضيات المذهب الاقتصادي الحر، ولهذا لم يكن هناك مبرر حينذاك لتحصيل الإيرادات العامة، سوى التمكن من تغطية حجم النفقة اللازم للعدد الضئيل من المرافق التي كانت الدولة تتدخل فيها في حياة الأفراد، وبالتالي فالدولة في ظل النظرية التقليدية، تقدس مبدأ توازن الميزانية ولا تسمح بتحصيل إيرادات أو بتكيف الأفراد بأعباء مالية إلا في حدود ما يلزمها من نفقات لسير المرافق العامة، ولذلك لم يتعرض التقليديون لبحث التحليل الاقتصادي للنفقة، والدور الذي يمكن أن تلعبه في الحياة الاقتصادية والاجتماعية للأفراد، أو في تحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي، وكان هذا طبيعيا حسب المنطق التقليدي الذي كان يعتبر نفقات الدولة مجرد نفقات للاستهلاك العام الذي كانت تقوم به الدولة وهي بصدد تحقيق دورها الضيق في حياة الأفراد (الدولة الحارسة)، وعليه فقد كان الإنفاق العام يتسم بطابع حيادي.
ومع تطور الحديث لم تصبح الدولة مجرد حارسة للأفراد كما كانت، وإنما أخذت تتدخل بشكل متزايد في النشاط الاقتصادي القومي وفي الحياة الاجتماعية، فزادت أهمية الإنفاق العام لمواجهة أوجه التدخل المتعددة التي صار لزاما على الدولة إشباع حاجات الأفراد شأنها، كما أصبحت النفقات العامة أداة فعالة في التأثير على الهيكل الاقتصادي والاجتماعي وتحقيق التوازن المطلوب بين الأفراد، ولقد أدت هذه التطورات إلى خروج الميزانية العامة على منطق التوازن الذي كان سائدا في الفكر التقليدي، وأمكن زيادة الإنفاق العام لتحقيق كافة الأغراض المتقدمة على الرغم من احتمال وجود عجز في الميزانية، ولقد أظهرت التجارب والتطبيقات المالية الحديثة فكرة إحداث عجز منظم في الميزانية لتحقيق التوازن الاقتصادي ومحاربة الآثار الضارة للدورات الاقتصادية.
وانطلاقا من المفاهيم الحديثة للنفقات العامة نحاول دراستها من خلال المباحث التالية:
المبحث الأول: مضمون النفقات العامة.
المبحث الثاني: حجــم النفقات العامة.
المبحث الثالث: الآثار الاقتصادية للنفقات العامة.
المبحث الأول: مضمون النفقات العامة

تتعدد أنواع النفقات العامة، وتتزايد مع اتساع نطاق تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وبما أن النفقات العامة لا تكون كلا متجانسا، بل يختلف بعضها عن البعض الآخر سواء من حيث الطبيعة أو من حيث الآثار الاقتصادية والاجتماعية فإن الأمر يستوجب التمييز بين الأنواع المختلفة للنفقات العامة، وعلى ذلك سنقسم هذا المبحث إلى مطلبين:
المطلب الأول: في ماهية النفقات العامة
المطلب الثاني: في تقسيمات النفقات العامة
المطلب الأول: ماهية النفقات العامة

النفقة العامة هي مبلغ نقدي يقوم بإنفاقه شخص عام بقصد تحقيق نفع عام، ويتبين من هذا التعريف أن النفقة العامة تشتمل على عناصر ثلاثة وهي:
1-
النفقة العامة مبلغ نقدي.
2-
النفقة العامة يقوم بها شخص عام.
3-
النفقة العامة يقصد بها تحقيق نفع عام.
1/- النفقة العامة مبلغ نقدي: تقوم الدولة وغيرها من الأشخاص العامة بإنفاق مبالغ نقدية ثمنا لما تحتاجه من سلع وخدمات لازمة لتسيير المرافق العامة، وثمنا لرؤوس الأموال الإنتاجية التي تحتاجها للقيام بالمشروعات الاستثمارية التي تتولاها، وأخيرا لمنح المساعدات والإعانات المختلفة من اقتصادية واجتماعية وثقافية وغيرها، واستخدام النقود في النفقة العامة أمر طبيعي ما دامت كل المعاملات والمبادلات الاقتصادية تتم في الوقت الراهن باستخدام النقود في ظل اقتصاد نقدي، وبالتالي فالنقود هي وسيلة الدولة في الإنفاق، شأنها في ذلك شأن الأفراد، وعليه فالنفقات العامة تتم دائما بشكل نقدي، أما أعمال السخرة التي كانت تلجأ إليها الدولة قديما للحصول على أنواع معينة من الخدمات فهي لا تعتبر نفقات عامة، وبالمثل فإن ما تقدمه الدولة من مزايا عينية كالسكن المجاني، ونقدية كالإعفاء من الضرائب، وشرفية كمنح الأوسمة والألقاب لبعض الأفراد، لا تعتبر من قبيل النفقات العامة، وقد أدى انتشار روح الديمقراطية ومبادئها في العصر الحديث، وتطبيقات مبدأ المساواة بين الأفراد إلى اختفاء تلك الظواهر تدريجيا.
وقد ترتب على التجاء الدولة إلى الإنفاق النقدي دون غيرها من الوسائل الأخرى، أن ازداد حجم النفقات العامة، وبالتالي حجم الضرائب وغيرها من التكاليف العامة، إلا أن هذا لا يعني بالضرورة زيادة عبء هذه التكاليف على الأفراد، بل لقد نشأ في الغالب تخفيف لهذا العبء وتوزيع أعدل فيه وسنعود للموضوع عند دراسة ظاهرة تزايد النفقات العامة.
2/- النفقة العامة يقوم بها شخص عام (أي صدور النفقة عن هيئة عامة): ويدخل في عداد النفقات العامة تلك النفقات التي يقوم بها الأشخاص المعنوية العامة (وهم أشخاص القانون العام) وتتمثل في الدولة على اختلاف أنظمتها: جمهورية أو ملكية أو رئاسية ومن استبدادية إلى ديمقراطية والحكومات المركزية والمحلية بما في ذلك الهيئات والمؤسسات العامة الداخلة في الاقتصاد العام ذات الشخصية المعنوية، وعلى هذا فإن المبالغ التي ينفقها الأشخاص الخاصة الطبيعية والاعتبارية لا تعتبر نفقة عامة حتى ولو كانت تهدف إلى تحقيق خدمات عامة، كتبرع أحد هؤلاء الأشخاص بالمبالغ اللازمة لبناء مدرسة أو مستشفى أو مسجد مثلا، ويدخل ذلك في إطار الإنفاق الخاص.
وتعتبر المبالغ التي تنفقها الدولة وهي بصدد ممارستها لنشاطها العام المعتمد على سلطتها الآمرة باعتبارها ذات سيادة والتي لا يشاركها فيها الأفراد نفقات عامة بالمعنى الفني للكلمة، وهذا متفق عليه، أما النفقات التي تنفقها الدولة وهي بصدد ممارسة نشاط اقتصادي شبيه للنشاط الذي يباشره الأفراد كالمشروعات الإنتاجية التي تتولاها الدولة، فقد اعتبرها بعض المفكرين وبصفة خاصة في فرنسا نفقات خاصة وليست نفقات عامة، اعتمادا على التفرقة بين نوعي النفقات العامة والخاصة إنما تستهدف تأثير التدخل الحكومية في الحياة الاجتماعية بصفة عامة والاقتصادية بصفة خاصة، وواضح أن النفقات من النوع الأول هي فقط التي تؤثر في هذه الحياة الاجتماعية والاقتصادية دون النوع الثاني، غير أن هذا الرأي لم يسلم من النقد لأكثر من سبب، لأنه عندما تنفق الدولة وهي شخص عام مبالغ معينة في أي وجه كان فإن المبالغ هذه تأخذ صفة العمومية وتصطبغ بها، كالنفقات الخاصة التي تأخذ صفة الخصوصية باعتبار أن تلك النفقات ينفقها أشخاص القانون الخاص من أفراد طبيعيين وأشخاص اعتباريين، بالإضافة إلى أنه لا يمكن المقارنة بين نشاط الدولة في العصر الحديث ونشاطها فيما مضى فإذا استبعدنا نفقاتها على المشروعات الإنتاجية الماثلة لمشروعات الأفراد من النفقات العامة، وعلى وجه التحديد فإن هذا النوع من النفقات هو الذي يمثل الجديد الذي طرأ على نشاط الدولة في العصر الحديث، وإلا لما اختلفت الصورة كثيرا في العصرين، كما يلاحظ أيضا بأن المشروعات الإنتاجية المشار إليها تحقق دخولا لا خلاف في وصفها بالإيرادات العامة، ومن غير المنطقي أن تؤدي النفقات الخاصة إلى الحصول على إيرادات عامة، وبصفة عامة يمكن تحديد النفقات العامة بكافة النفقات التي تقوم بها الدولة أو مشروعاتها العامة القومية والمحلية دون النظر إلى الصفة السيادية أو السلطة الآمرة أو طبيعة الوظيفة التي صدر عنها الإنفاق.
3/- النفقة العامة يقصد بها تحقيق نفع عام:
ينبغي أن تصدر النفقات العامة مستهدفة بالأساس إشباع الحاجات العامة، وتحقيق الصالح العام، فالنفقات التي لا تشبع حاجة عامة ولا تعود بالنفع العام على الأفراد لا يمكن اعتبارها نفقات عامة، ويستند هذا العنصر على سندين: أولهما يتلخص في أن المبرر الوحيد للنفقات العامة هو وجود حاجة عامة تقوم الدولة أو غيرها من الأشخاص العامة بإشباعها نيابة عن الأفراد ومن ثم يلزم أن يكون الهدف من النفقة العامة هو تحقيق نفع عام يتمثل في إشباع حاجة عامة، أما السند الثاني يتمثل في مبدأ المساواة بين المواطنين في تحمل الأعباء العامة، ذلك أن المساواة بين الأفراد في تحمل عبء الضرائب لا تكفي لتحقيق هذه المساواة إذا أنفقت حصيلة الضرائب في تحقيق مصالح خاصة لبعض الأفراد أو الفئات الاجتماعية دون غيرهم، إلا أن هناك صعوبة في كثير من الأحيان في معرفة ما إذا كانت حاجة ما هي من الحاجات العامة أم لا، ويرجع ذلك إلى صعوبة تحديد الحاجة العامة تحديدا موضوعيا، وأمام هذه الصعوبة فإن أمر تقدير الحاجات العامة وبالتالي المنفعة العامة متروك للسلطات السياسية، فهي التي تتولى عادة تقدير ما إذا كانت حاجة ما تعتبر حاجة عامة أم لا وذلك بموافقتها أو رفضها اعتماد المبالغ اللازمة لإشباع هذه الحاجة ضمن النفقات العامة.
إلا أن السلطة السياسية قد تسيء استعمال حقها في تقدير الحاجات العامة وبالتالي النفقات العامة مما يستدعي وجود رقابة فعالة تضمن عدم إساءة استعمال هذا الحق عن طريق السلطة التشريعية التي تقوم عادة برقابة استخدام الإنفاق العام في تحقيق المنفعة العامة أولا من خلال اعتماد بنود النفقات العامة في الميزانية وثانيا من خلال مساءلة الحكومة أو السلطة التنفيذية عن تنفيذ الإنفاق العام في جملته وتفصيلاته، وتعمل الرقابة الإدارية ذاتها على أداء نفس الدور، ومما تقدم نخلص إلى أن النفقة العامة عبارة عن مبلغ من النقود تستخدمه الدولة أو أي شخص من أشخاص القانون العام في سبيل تحقيق المنافع العامة.
المطلب الثاني: تقسيمات النفقات العامة

تتخذ النفقات العامة صورا متعددة ومتنوعة، ويزداد هذا التنوع بتزايد وظائف الدولة وتزايد مظاهر تدخلها في الحياة العامة للمجتمع، وبما أن الأنواع المتعددة للنفقات العامة تختلف فيما بينها، سواء من ناحية مضمونها أو من ناحية أثارها الاقتصادية ونتائجها المالية، فقد وضع علماء المالية العامة تقسيمات متعددة للنفقات العامة يرتكز كل منها على وجهة نظر معينة في تحبيذ تقسيم دون آخر، وبالرغم من أن هذه لتقسيمات قد يتداخل بعضها في البعض الآخر إلا أن لها أهمية كبيرة في استظهار طبيعة الإنفاق العام وأثاره وأغراضه، مما يساعد كثيرا على إدارة الأموال العامة، ومعرفة المحللين الماليين مقدار ما يكلفه كل نوع من أنواع نشاط الدولة على حدة، ومن ثم تتبع تطور هذه النفقات من فترة إلى أخرى بالإضافة إلى تمكين السلطة التشريعية والرأي العام من إجراء رقابة فعالة على الجانب المالي لنشاط الدولة ويمكن تقسيم النفقات العامة من حيث طبيعتها الاقتصادية وهي ما تعرف بالتقسيمات الاقتصادية أو بالتقسيمات العلمية، كما يمكن أن تقسم إلى تلك الأقسام التي تعتمد عليها الميزانيات وهي ما تعرف بالتقسيمات الوضعية.
العنصر الأول: التقسيمات الاقتصادية أو العلمية للنفقات العامة
يقصد بالتقسيمات الاقتصادية للنفقات العامة تلك التقسيمات التي تقوم على معايير اقتصادية، وذلك بهدف معرفة آثار النفقات العامة على الحياة الاقتصادية للجماعة، وكذلك الآثار التي تتركز على بعض القطاعات أو الأنشطة الاقتصادية.
ولقد جرت الكتابات المالية والاقتصادية على إجراء عدة تقسيمات اقتصادية للنفقات العامة أهمها:
أولا: تقسيم النفقات العامة حسب الوظائف الأساسية التي تقوم بها الدولة
يقوم هذا التقسيم في جوهره على فكرة مبسطة مؤداها تجميع كل مجموعة من الخدمات ذات الطبيعة الواحدة تبعا للوظائف الأساسية التي تؤديها الدولة، ووفقا لهذا التقسيم يمكن التمييز بين ثلاثة أنواع مختلفة للنفقات العامة تبعا للوظائف الأساسية للدولة وهي: الوظيفة الإدارية، والوظيفة الاجتماعية، والوظيفة الاقتصادية.
1-النفقات الإدارية: وهي النفقات المتعلقة بسير المرافق العامة واللازمة لقيام الدولة وهي تشتمل على نفقات الإدارة العامة والدفاع والأمن والعدالة والتمثيل السياسي، وأهم بنود هذا النوع من النفقات هي نفقات الدفاع الوطني.
2-النفقات الاجتماعية: وهي التي تـنصرف إلى تحقيق آثار اجتماعية معينة بين الأفراد وذلك عن طريق تحقيق قدر من الثقافة والتعليم والرعاية الصحية للأفراد، بالإضافة إلى تحقيق قدر من التضامن الاجتماعي عن طريق مساعدة بعض الفئات التي توجد في ظروف اجتماعية تستدعي المساندة (تقديم المساعدات والإعانات لذوي الدخل المحدود، والعاطلين عن العمل …الخ) وأهم بنود هذه النفقات تلك المتعلقة بمرافق التعليم، الصحة، والثقافة العامة، والإسكان.
3-النفقات الاقتصادية: وهي النفقات التي تتعلق بقيام الدولة بخدمات عامة تحقيقا لأهداف اقتصادية كالاستثمارات الهادفة إلى خدمة إلى تزويد الاقتصاد القومي بخدمات أساسية كالنقل والمواصلات، ومحطات توليد القوى الكهربائية، والري والصرف، إلى جانب تقديم الإعانات الاقتصادية للمشروعات العمة والخاصة.
والتقسيمات السابقة للنفقات العامة فهي على سبيل المثال لا الحصر، لأنه يمكن الإمعان في كل تقسيم من بينها والوصول إلى تعدد أنواع النفقات العامة وتفضيلها على نحو أكبر، وذلك بتقسيم كل نوع من الأنواع المتقدمة إلى عدة أنواع تبعا لتعدد الأغراض التي تدخل في كل تقسيم منها.
ثانيا: النفقات الحقيقية والنفقات التحويلية
1- النفقات الحقيقية أو الفعلية: ويقصد بها تلك النفقات التي تصرفها الدولة في مقابل الحصول على سلع وخدمات أو رؤوس أموال إنتاجية كالمرتبات وأثمان التوريدات والمهمات اللازمة لسير المرافق العامة، سواء التقليدية أو الحديثة التي اقتضاها تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، والنفقات الاستثمارية أو الرأسمالية.
فالنفقات العامة هنا تؤدي إلى حصول الدولة على مقابل للإنفاق (عمل، خدمة أو سلعة)، كما تؤدي إلى خلق دخول جديدة يجب إضافتها إلى باقي الدخول المكونة للدخل القومي.
2- النفقات التحويلية أو الناقلة: فيقصد بها تلك النفقات التي لا يترتب عليها حصول الدولة على سلع وخدمات ورؤوس أموال، إنما تمثل تحويل لجزء من الدخل القومي عن طريق الدولة من بعض الفئات الاجتماعية كبيرة الدخل إلى بعض الفئات الأخرى محدودة الدخل، والمثال على ذلك الإعانات والمساعدات الاجتماعية المختلفة: كالضمان الاجتماعي والإعانات ضد البطالة والشيخوخة وإعانات غلاء المعيشة، والإعانات الاقتصادية التي تمنحها الدولة لبعض المشروعات الخاصة بقصد حملها على تخفيض أسعار منتجاتها، وتستهدف الدولة من هذه النفقات إعادة توزيع الدخل ولو بصورة جزئية لمصلحة الطبقة الفقيرة، ومن الواضح أن النفقات التحويلية لا تؤدي إلى زيادة الدخل القومي بشكل مباشر دون أن تضيف إليه شيئا، فهي بمثابة إجراءات لتحويل الدخول من فئات اجتماعية معينة إلى فئات أخرى.
ثالثا: النفقات العادية والنفقات غير العادية
فالنفقات العادية يقصد بها تلك النفقات التي تتكرر كل سنة بصفة منتظمة في ميزانية الدولة كمرتبات الموظفين، وتكاليف صيانة المباني والأجهزة العامة ونفقات التعليم والصحة العامة ونفقات تحصيل الضرائب وغيرها من النفقات التي تظهر بصفة دورية منتظمة في الميزانية، ولا يعني هذا أن كمية أو حجم هذه النفقات يجب ألا يتغير من ميزانية إلى أخرى حتى توصف بالعادية، بل يكفي أن تتكرر بنوعها في كل ميزانية حتى ولو اختلف مقدارها من وقت لآخر حتى تعتبر نفقات عادية.
أما النفقات غير العادية فهي تلك النفقات التي لا تتكرر كل سنة بصفة منتظمة في الميزانية، بل تدعو إلى الحاجة إليها في فترات متباعدة تزيد عن السنة أي تأتي بصفة استثنائية لمواجهة ظروف اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية معينة في وقت محدد وكمثال على ذلك النفقات الحربية، ونفقات إصلاح الكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات ونفقات إنشاء السدود والخزانات ومد خطوط السكك الحديدية وتعبيد الطرق وتأسيس الأساطيل التجارية وغيرها.
ولهذا التقسيم فائدته وخطره، وتتمثل فائدته في التكرار الدوري للنفقات العادية مما يمكن الحكومة من تقديرها تقديرا يكون قريبا من الصحة، وتدبير الأموال اللازمة لسدادها من الإيرادات العادية وأهمها الضرائب، أما النفقات غير العادية وباعتبارها تحدث بصفة عرضية واستثنائية فإن سدادها يكون عادة من إيرادات غير عادية كالقروض العامة والإصدار النقدي الجديد، أما خطره فيكمن في لجوء الحكومة كلما تحقق عجز في الميزانية إلى عقد قروض عامة بدعوى إجراء نفقات غير عادية عندما لا تكفي لتغطيتها مواردها العادية وتخصيص ميزانية غير عادية لذلك.
وأمام الملاحظات والانتقادات الموجهة لتقسيم النفقات إلى عادية وغير عادية، فقد اتجه الفكر المالي الحديث إلى التمييز بين نوعين من النفقات العامة: النفقات التسييرية وهي تلك النفقات اللازمة لتسيير المرافق العامة كالمرتبات ونفقات الصيانة وغيرها، والنفقات الرأسمالية أو الاستثمارية ويقصد بها تلك النفقات التي تخصص لتكوين رؤوس الأموال العينية في المجتمع كنفقات إنشاء المشروعـات الجديدة من طرق وغيرها.
رابعا: النفقات القومية والنفقات المحلية
إن تقسيم النفقات العامة إلى نفقات قومية ونفقات محلية يعتمد على معيار نطاق سريان النفقة العامة ومدى استفادة أفراد المجتمع كافة أو سكان إقليم معين داخل الدولة من النفقة العامة، وتكون النفقة قومية أو مركزية إذا وردت في ميزانية الدولة وتتولى الحكومة المركزية القيام بها مثل نفقة الدفاع والعدالة والأمن.
أما النفقات المحلية أو الإقليمية وهي النفقات التي تقوم بها الولايات أو ما يسمى بمجالس الحكم المحلي كمجالس الولايات والمدن والقرى والتي ترد في ميزانيات هذه الهيئات، وتخدم بالأساس احتياجات هيئة محلية معينة مثل الانفاق على توصيل مياه الشرب والكهرباء للإقليم.
وتختلف اتجاهات الدول اختلافا بينا فيما يتعلق بتوزيع المرافق المختلفة، وبالتالي النفقات العامة بين الدولة والهيئات المحلية كما تختلف هذه الاتجاهات في الدولة نفسها من زمن إلى آخر، ويرجع هذا الاختلاف إلى الظروف التاريخية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية الخاصة بكل دولة في كل زمن معين.
العنصر الثاني: التقسيمات الوضعية للنفقات العامة
تعتمد التقسيمات العلمية للنفقات العامة على معايير اقتصادية ونظرية، مع تبيان أنواع النفقات العامة من الناحية العلمية، طبقا لتلك المعايير المتخذة (المعتمدة) كأساس للتقسيم.
أما التقسيمات الوضعية للنفقات العامة، فهي تلك التي تتبناها الميزانيات العامة للدول المختلفة استنادا إلى الاعتبارات الواقعية أو العملية، وخاصة الاعتبارات الإدارية والوظيفية التي تدعو في الغالب إلى عدم الالتزام بالتقسيم العلمي للنفقة.
ويهتم التقسيم الإداري للنفقات العامة بتوزيع النفقات العامة تبعا للهيئات الإدارية التي تقوم بها، وبغض النظر عن أوجه النشاط والوظائف التي تقوم بها هذه الهيئات، وقد أخذ على التقسيم الإداري صفته الإدارية البحتة وعدم اهتمامه بتجميع النفقات حسب موضوعها.
أما التقسيم الوظيفي فهو يهتم بتقسيم النفقات العامة حسب الوظائف التي تقوم بها الدولة دون الاهتمام بطبيعة النفقة، وهذه الطريقة تسمح بجمع كافة النفقات التي تهدف إلى تحقيق نفس الغرض في قسم واحد حتى ولو كانت موزعة على عدة وزارات او مصالح، ويتميز هذا التقسيم في كونه لا ينظر إلى مشتريات الدولة في حد ذاتها وإنما ينظر إليها في نطاق الهدف الذي يسعى إلى تحقيقه من ورائها.
ويلاحظ بأن التقسيم الوظيفي هو الصورة الغالبة في الوقت الحاضر في ميزانيات الدولة المختلفة.
وعادة ما يتداخل التقسيم الإداري مع التقسيم الوظيفي، فبعد أن توزع النفقات ب....

ويقوم التقسيم الاقتصادي على توزيع النفقات العامة حسب العملية وحسب القطاع الذي يقوم بها، فالعمليات تقسم إلى عمليات رأسمالية وعمليات جارية، وفي داخل هاتين المجموعتين يمكن توزيع النفقات إلى مجموعات فرعية، أما التقسيم حسب القطاع فيتم على أساس تقسيم الاقتصاد القومي إلى قطاعات يضم كل قطاع منها أقساما فرعية.
تتعرض التقسيمات الوضعية للنفقة العامة داخل الميزانية للأسس التي تعرضها التقسيمات العلمية في بيان أنواع النفقات، وعليه فالتقسيمات الوضعية لا تكون بعيدة تماما عن التقسيمات العلمية وإنما قد تتخذها كأساس، وإن اختلفت طريقة التقسيم نتيجة للضرورات العملية.
المبحث الثاني: حجم النفقات العامة

إن دراسة حجم النفقات لعامة تلقي اهتماما بالغا من طرف علماء المالية العامة سواء ناحية تبيان: أولا: الضوابط التي تحكم سلوك الدولة أو الهيئات العامة وهي بصدد إجراء نفقاتها العامة، وثانيا: حدود النفقات العامة والعوامل المؤثرة على حجمها بالزيادة أو النقصان، وثالثا دراسة الأسباب المفسرة لظاهرة تزايد النفقات العامة، وسندرس هذه الموضوعات في ثلاث مطالب مترابطة.


المطلب الأول: ضوابط الإنفاق العام

إن سلامة مالية الدولة تقتضي التزام مختلف الوحدات المكونة للاقتصاد العام عند قيامها بالإنفاق العام باحترام بعض المبادئ أو الضوابط، وحتى يحقق هذا الإنفاق آثاره المنشودة من إشباع الحاجات العامة، يجب أن تستهدف النفقات العامة تحقيق أكبر قدر من المنفعة القصوى للمجتمع من ناحية، وأن يتم هذا عن طريق الاقتصاد في النفقات العامة من ناحية أخرى، ويتم التحقق من توافر الضابطين السابقين بواسطة أساليب الرقابة المختلفة.
1/- ضابط المنفعة (أي تحقيق أكبر قدر من المنفعة للمجتمع):
إن تحقيق أكبر قدر من المنفعة يعني بالدرجة الأولى ألا توجه النفقة العامة لتحقيق المصالح الخاصة لبعض الأفراد أو لبعض فئات المجتمع دون البعض الآخر نظرا لما يتمتعون به من نفوذ سياسي أو اجتماعي، ويمارس هذا النفوذ عادة في هيئة ما يسمى بجماعات الضغط وما تحدثه هذه الجماعات من آثار ضارة بسبب الأساليب والضغوط المختلفة التي تمارسها في المجتمع.
كما يعني أيضا أن ينظر إلى المرافق والمشروعات العامة نظرة إجمالية شاملة لتقدير احتياجات كل مرفق وكل وجه من أوجه الإنفاق في ضوء احتياجات المرافق والمشروعات وأوجه الإنفاق الأخرى.
ويستوجب تحقيق أكبر قدر من المنفعة أن توزع مبالغ النفقات العامة بحيث تكون المنفعة المترتبة على النفقة الحدية في كل وجه من وجوه الإنفاق مساوية للمنفعة المترتبة على النفقة الحدية في كل الوجوه الأخرى من جهة، وأن تكون المنفعة المترتبة على النفقة الحدية في كافة وجوه الإنفاق مجتمعة مساوية للمنفعة المترتبة على النفقة الحدية للدخل المتبقي في يد الأفراد بعد دفع التكاليف العامة كالضرائب من جهة أخرى، وهذا تطبيق لقاعدة توازن المستهلك.
وفي حقيقة الأمر أنه من الصعوبة بمكان إخضاع المنفعة التي تعود على المجتمع من الإنفاق العام لمقياس واضح منضبط، حيث أن للنفقات العامة آثار متعددة: ظاهرة وغير ظاهرة، اقتصادية وغير اقتصادية، مباشرة وغير مباشرة، حاضرة ومستقبلية، مما يتعذر معه قياس هذه المنفعة أو تقديرها على وجه الدقة فالنفقات الحربية ونفقات التعليم والجزء الأكبر من النفقات التحويلية، إذا لا يمكن قياس المنفعة التي تترتب عليها بالتدقيق كما هو ظاهر.
وفي الواقع أن تقرير ما إذا كان وجه معين من وجوه الإنفاق يترتب عليه تحقيق نفع عام أم لا إنما يعود للسلطة السياسية في الدولة، وبهذا يعتبر القرار المتضمن للإنفاق العام في وجه معين دون غيره بمثابة تفضيل للنفع المتحقق منه دون النفع الذي يتحقق من غيره، وهذا تفصيل سياسي بطبيعة الحال.
ولا شك أنم معرفة مبلغ الإنفاق العام الذي ينفق على وجه معين له فائدته، حتى لو استحال قياس المنفعة التي تعود على المجتمع منه، وتتمثل هذه الفائدة في إفساح المجال أمام الرأي العام والسلطة التشريعية لمراقبة الحكومة وهي بصدد توزيع مبالغ النفقات العامة بين وجوه الإنفاق المختلفة.
2/- ضابط الاقتصاد في الإنفاق (ضغط النفقات العامة):
يعتبر الاقتصاد في الإنفاق شرطا ضروريا لأعمال ضابط المنفعة السابق ذكره، فمن البديهي أن المنفعة الجماعية القصوى الناجمة على النفقة لا تتصور إلا إذا كان تحققها ناتجا من استخدام أقل نفقة ممكنة، وعليه يتعين على سائر الهيئات والمشروعات العامة في الدولة مراعاة الاقتصاد في إنفاقها، والاقتصاد في الإنفاق لا يقصد به الحد من الإنفاق والتقليل منه إذا كانت هناك أسباب ضرورية تبرره، ولكن يقصد به حسن التدبير ومحاربة الإسراف والتبذير والعمل على تحقيق أكبر عائد بأقل تكلفة ممكنة، وفي الواقع أن التبذير أو الإسراف وهو ما يطلق عليه "التسبيب المالي" يؤدي إلى ضياع مبالغ مالية في وجوه غير مجدية كان من الممكن توجيهها إلى غيرها من الوجوه المفيدة، أو تركها في يد الأفراد لاستغلالها في مجالات أكثر فائدة.
ومن جهة أخرى فإن التبذير يضعف الثقة في الإدارة المالية للدولة ويبرر التهرب من دفع الضرائب في نظر المكلفين بدفعها، ومظاهر التبذير الحكومي متعددة ويمكن أن تحدث في شتى مجالات الإنفاق العام، وعلى الأخص في الدول النامية ومن أمثلتها مايلي:
-
استخدام عدد كبير من الموظفين أو العمال في الوزارات والمصالح الحكومية يزيد عن الحد اللازم تماما لحسن سير تلك المرافق.
-
الاهتمام بتشييد المباني الضخمة والتأثيث الفاخر لدور الحكومة والمرافق العامة.
-
استئجار المباني والسيارات بدلا من شرائها.
-
إسراف وتبذير في الاستهلاك العام مثل: مصروفات الإضاءة والمياه والتليفونات التي تدفعها الدولة دون استخدامها أو لزومها بالفعل لأداء النشاط العام وتحقيق النفع العام.
-
كميات الأوراق والملفات المكلفة للدولة نفقات باهظة دون استخدامها كلها في الأعمال العامة.
-
استغلال الوظيفة العامة في أخذ ماهو حق الجماعة بأسرها للانتفاع به نفعا خاصا بدون وجه حق.
ولهذا فإن الحاجة تدعو إلى ضبط النفقات العامة للدولة في مختلف قطاعات الاقتصاد القومي على أساس مراعاة الحاجات الحقيقية الفعلية، بحيث لا تتحمل الدولة نفقات عامة إلا إذا كانت أساسية وضرورية تماما، بالقدر اللازم فقط لتحقيق المنافع الجماعية العامة.
3/- تقنين النشاط المالي والإنفاق للدولة وأحكام الرقابة على النفقات العامة:
ففيما يتعلق بتقنين القواعد الإجرائية للإنفاق العام، فإن القوانين المالية في الدولة تنظم كل ما يتعلق بصرف النفقات العامة أو إجراءها فتحدد السلطة التي تأذن بالإنفاق وتوضح خطوات الصرف والإجراءات اللازمة بالنسبة لكل منها حتى تؤدي النفقة العامة في موضعها وينجم عنها فعلا النفع العام الذي تستهدفه، وعليه فإن تقنين النشاط المالي والإنفاقي للدولة يقتضي أن تكون نفقاتها العامة مستوفية لإجراءات تحقيقها وصياغتها وتنفيذها على النحو المبين في الميزانية والقوانين واللوائح والقرارات المالية الأخرى.
أما الرقابة على الإنفاق العام فهي تأخذ أشكالا ثلاثة:
1- رقابة إدارية:
وهي رقابة تقوم بها في العادة وزارة المالية (أو الخزانة) عن طريق موظفيها العاملين في مختلف الوزارات والهيئات العامة ومهمتهم الأساسية هي عدم السماح بصرف أي مبلغ إلا إذا كان في وجه وارد في الميزانية وفي حدود الاعتماد المقرر له، وهذه رقابة سابقة على الإنفاق.
2- رقابة محاسبية مستقلة:
ومهمتها التأكد من أن جميع عمليات الإنفاق قد تمت على الوجه القانوني وفي حدود قانون الميزانية والقواعد المالية السارية، وهذا النوع من الرقابة قد تكون سابقة للصرف أو لاحقة عليه.
3- رقابة برلمانية:
وتتولاها السلطة التشريعية بمالها من حق السؤال والاستجواب والتحقيق البرلماني وسحب الثقة من الوزير أو من الوزارة كلها، وتظهر هذه الرقابة بصورة واضحة عند اعتماد الميزانية، وعند اعتماد الحساب الختامي أمام البرلمان.

المطلب الثاني: حدود النفقات العامة

فالنفقات العامة عبارة عن مبالغ نقدية تقتطعها الدولة من الدخل القومي لتقوم هي بإنفاقها قصد إشباع الحاجات العامة، والسؤال المطروح هنا يدور حول ما إذا كانت هناك نسبة معينة من الدخل القومي لا يحق للدولة تجاوزها وهي بصدد تحديد النفقات العامة أو بمعنى آخر: هل للنفقات العامة حدود لا يصح للدولة تعديها أو حجما لا يجوز أن تزيد عليه، وقد حدد بعض الاقتصاديين والماليين التقليديين نسبا معينة من الدخل القومي تتراوح ما بين 10% و 15% وأنه لا يصح للدولة تجاوز هذه النسب، إلا أن ما يؤخذ على هذا المنطق جمود النسبة التي يحددها وتجاهله للظروف الاقتصادية والمالية التي تميز الاقتصاد القومي عن غيره من الاقتصاديات القومية والتي تختلف من فترة لأخرى في نفس الدولة.
وفي الواقع أن تحديد حجم الإنفاق العام أو حدوده في مكان وزمان معينين إنما يتوقف على مجموعة من العوامل أهمها: العوامل المذهبية والاقتصادية والمالية.
1- العوامل المذهبية:
إن تحديد ما يعتبر حاجة عامة، وقيام الدولة بإشباعها عن طريق الإنفاق العام، يخضع للفلسفة المذهبية أو الإيديولوجية السائدة في الدولة: فردية أو تدخلية أو جماعية.
أ- ففي ظل الإيديولوجية الفردية: فالفلسفة السائدة هي ترك الأفراد أحرار في إقامة وتنظيم علاقات الإنتاج والتوزيع فيما بينهم وهي الوسيلة المثلى لتحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي حيث يقتصر دور الدولة على القيام بمهام الدولة الحارسة أي الوظائف التقليدية بالإضافة إلى القيام ببعض الأنشطة الاقتصادية التي لا يقدم عليها النشاط الخاص، إما لضخامة نفقاتها كالسدود والخزانات، أو لعدم ربحيتها كالطرق والخدمات التعليمية …الخ، ويتحدد حجم النفقات العامة بالنسبة إلى الدخل القومي في ظل هذه الأيديولوجية بالقدر الضروري للقيام بتلك الوظائف مما يترتب عليه أن يقل حجم النفقات العامة ونسبتها إلى الدخل القومي من جهة، وأن تقل أنواعها من جهة أخرى.
ب- أما في ظل الأيديولوجية التدخلية: فالفلسفة السائدة هي ضرورة تدخل الدولة في بعض ميادين النشاط الاقتصادي والاجتماعي تاركة الأفراد أحرارا في ممارسة البعض الآخر، فإن دور النفقات العامة يزداد أهمية عن ذي قبل، فبالإضافة إلى وظائف الدولة التقليدية فهي تقوم بوظائف اقتصادية تتمثل في استغلالها لبعض المشروعات الإنتاجية، ومحاربة الآثار الضارة للدورات الاقتصادية، والعمل على ثبات قيمة النقود وتنمية الاقتصاد القومي وتقديم الخدمات المجانية أو ذات الأثمان الزهيدة للطبقات ذات الدخول المحدودة وغيرها من الإجراءات الهادفة إلى تقليص الفوارق بين الطبقات.
ج- وفي ظل الأيديولوجية الجماعية أو الدولة المنتجة حيث تمتلك الجماعة كل أو معظم أدوات الإنتاج، وتقوم الدولة نيابة عنها القيام بكافة وجوه النشاط الإنتاجي إلى جانب قيامها بالوظائف التقليدية، فإن دور النفقات العامة تزداد أهمية إلى أقصى حد، فالاقتصاد هنا ليس حرا وإنما تسيطر عليه الدولة وهي التي تقوم بعمليات الإنتاج والتوزيع كلها أو معظمها، وتعتبر كافة النفقات الاقتصادية على اختلاف أنواعها والخاصة بالوحدات الإنتاجية نفقات عامة، زيادة على النفقات الاجتماعية التي تهدف الدولة من ورائها توفير بعض الحاجات الأساسية لكافة المواطنين بأسعار تقل كثيرا عن تكلفتها الحقيقية، ويؤدي هذا الوضع بطبيعة الحال إلى زيادة حجم النفقات العامة وارتفاع نسبتها إلى الدخل القومي إلى اكبر حد مع تعدد وتنوع هذه النفقات بحسب حاجات الأفراد وحاجات الدولة ذاتها.
بالإضافة إلى العوامل المذهبية السابقة والتي يبدو من خلالها مدى تأثر الإنفاق العام من خلال ما تؤديه الدولة من أدوار اقتصادية واجتماعية في ظل نظام اقتصادي وسياسي معين، فإن حجم النفقات العامة يتأثر أيضا بطبيعة البنيان الاقتصادي، أي تبعا لدرجة التقدم والتخلف، فعادة ما يزداد هذا الحجم في الدول المتقدمة مقارنة بالدول المتخلفة.
2- العوامل الاقتصادية:
يتأثر حجم النفقات العامة وحدودها بالظروف الاقتصادية التي يمر بها الاقتصاد القومي وخاصة في فترات الرخاء والكساد التي تتعاقب على الاقتصاديات الرأسمالية، وتحت تأثير الأفكار الكينزية تلجأ الدول إلى زيادة نفقاتها العامة في أوقات الكساد لإحداث زيادة في الطلب الكلي الفعلي والوصول بالاقتصاد القومي إلى مستوى التشغيل الكامل، ويحدث العكس في أوقات الرخاء لتفادي الارتفاع التضخمي وتدهور قيمة النقود نظرا لوصول الاقتصاد القومي إلى حالة التشغيل الكامل.
أما في الاقتصاديات النامية التي تتميز بعدم مرونة جهازها الإنتاجي أو بمعنى آخر عدم استجابة بعض عوامل الإنتاج للزيادة في الطلب وذلك بسبب عدم وجود الموارد لاقتصادية اللازمة، أو عدم كفايتها، ولوجود نقص عنصر العمل الفني ورؤوس الأموال مما يجعل عرضها غير مرن ويحيل بعض قطاعات الاقتصاد القومي الحيوية إلى أوضاع تمثل نقط اختناق تشبه عنق الزجاجة تحد من نمو الإنتاج، وعليه يتحتم ألا تزيد النفقات العامة عن حد معين، لأنه بعد هذا الحد سوف ترتفع الأسعار وتتدهور قيمة النقود.
3- العوامل المالية:
يتحدد حجم النفقات العامة في الدولة بناء على مدى قدرتها المالية في الحصول على الإيرادات التي تضمن تغطية هذه النفقات، وعادة ما تتمتع الدولة في تدبير موارد ماليتها العامة بمقدرة أوسع مما يتمتع بها الأفراد في تدبير ما يلزم لتمويل ماليتهم الخاصة، إذ لا يمكن في المدى الطويل تجاوز النفقات لحد معين بزيادة النفقات العامة عن الإيرادات العامة، أي أنه على الرغم من مرونة موارد الدولة وقابليتها للزيادة، فإن لهذه الزيادة حدودا، وهو ما يعرف بالمقدرة المالية القومية.
ويقصد بالمقدرة المالية القومية: قدرة الاقتصاد القومي (أي الدخل القومي) على تحمل الأعباء العامة بمختلف أشكالها وصورها من: الضرائب، والقروض، والإصدار النقدي الجديد دون الإضرار بمستوى معيشة الأفراد أو بالمقدرة الإنتاجية القومية.
وتتمثل الطاقة الضريبية أهم عناصر المقدرة المالية القومية، ويقصد بالطاقة الضريبية القومية أو ما يعرف بالمقدرة التكليفية القومية أي قدرة الدخل القومي على تحمل الأعباء الضريبية أو بمعنى آخر تمويل تيارات الإيرادات العامة عن طريق الضرائب.
المطلب الثالث: ظاهرة تزايد النفقات العامة

إن ظاهرة اتجاه النفقات العامة إلى الزيادة والتنوع عاما بعد عام أصبحت من الظواهر المعروفة بالنسبة لمالية الدولة وبمختلف الدول وذلك نتيجة تطور دور الدولة وازدياد درجة تدخلها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وقد خلص الاقتصاديون اعتمادا على استقراء الإحصاءات في مختلف الدول إلى أن جعلوا هذه الظاهرة قانونا عاما من قوانين التطور الاقتصادي والاجتماعي.
ويعتبر العالم الألماني قاجنر wagner أول من لفت الأنظار إلى قانون زيادة النفقات العامة، بعد أن درس حجم النفقات العامة للعديد من الدول الأوروبية في القرن التاسع عشر، ويفسر قاجنر تلك الزيادة بسنة التطور، فالدولة تنمو وتتطور وتزداد التزاماتها مع اتساع دائرة تدخلها لخدمة الأفراد ومن ثم فإن نفقاتها تزداد تبعا لذلك.
وبالرجوع إلى البيانات الإحصائية الخاصة بتطور الإنفاق العام في العديد من الدول بعد الحرب العالمية الثانية تظهر بوضوح اتجاه النفقات العامة إلى التزايد بإطراد بغض النظر عن درجة النمو الاقتصادي والفلسفة المذهبية السائدة فيها.
وتجدر الإشارة إلى أن حجم الدخل القومي هو الآخر قد زاد في مختلف الدول إلا أن نسبة الزيادة في الإنفاق العام تجاوزت بكثير نسبة الزيادة في الدخل القومي.
وقبل بحث أسباب التزايد الحقيقي أو الظاهري للنفقات العامة يجب الإشارة إلى أنه لا يترتب على زيادة النفقات العامة أن يثقل عبء التكاليف العامة كالضرائب على الأفراد بنفس معدل زيادة النفقات، وذلك حتى مع ازدياد أنواع الضرائب المختلفة ورفع أسعارها لمواجهة الزيادة في النفقات العامة بمعدل أكبر من زيادة الدخل القومي، ويرجع هذا إلى إحساس الفرد بعبء التكاليف العامة يخف بسبب ارتفاع الدخل من ناحية واتجاه الدول الديمقراطية إلى زيادة أعباء الضرائب بوسائل مختلفة على الطبقات ذات الدخل المرتفع والتي تنقص المنفعة الحدية لدخولها كثيرا عن المنفعة الحدية للطبقات الأخرى ذات الدخل المحدود من ناحية أخرى، ويؤدي هذا إلى عدم زيادة عبء التكاليف العامة حتى مع زيادة نسبة النفقات العامة إلى الدخل القومي.
ونتناول فيمايلي أسباب تزايد النفقات العامة والمتمثلة في:
أولا: أسباب التزايد الحقيقي للنفقات العامة:
يقصد بالزيادة الحقيقية للنفقات العامة زيادة المنفعة الحقيقية المترتبة على هذه النفقات وزيادة عبء التكاليف العامة بنسبة ما، كما تشير إلى ازدياد تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين.
إن الزيادة الحقيقية للنفقات العامة في شتى الدول في السنوات الماضية يشير إلى الزيادة المطردة في حجم النفقات والتي ترجع إلى أسباب متعددة تختلف باختلاف مستوى التطور في كل دولة من الدول وهي: أسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية وإدارية ومالية بالإضافة إلى أسباب حربية.
1- الأسباب الاقتصادية:
إن من أهم الأسباب الاقتصادية المفسرة لظاهرة التزايد في النفقات العامة زيادة الدخل القومي والتوسع في المشروعات العامة وعلاج التقلبات التي تطرأ على النشاط الاقتصادي (خاصة في حالة الكساد)، فزيادة الدخل القومي تسمح للدولة في العصر الحديث من الزيادة في مقدار ما تقتطعه منه في صورة تكاليف أو أعباء عامة من ضرائب ورسوم وغيرها، حتى ولو لم تزاد أنواع الضرائب المقررة أو يرتفع سعرها وعادة ما تحفز هذه الموارد المتاحة الدولة على زيادة إنفاقها على مختلف الوجوه.
كما يؤدي التوسع في إقامة المشروعات العامة الاقتصادية إلى زيادة النفقات العامة، وتسعى الدولة من قيامها بهذه المشروعات:
أ-الحصول على موارد لخزانة الدولة.
ب-التعجيل بالتنمية الاقتصادية.
ج-محاربة الاحتكار.
وبصفة عامة توجيه النشاط الاقتصادي وجهة معينة بحسب الأيديولوجية السائدة في الدولة.
ومن جهة أخرى فإن محاربة الكساد وأثاره الضارة يحتم على الدولة القيام بالمزيد من الإنفاق بهدف زيادة مستوى الطلب الكلي الفعلي إلى المستوى الذي يسمح بتحقيق التشغيل الكامل وذلك في حدود الطاقة الإنتاجية للاقتصاد القومي، وهذه السياسة وإن كانت تصلح في البلدان المتقدمة، فإنها تكون غير صالحة في حالة البلدان النامية.
وأخيرا فالتنافس الاقتصادي الدولي مهما كانت أسبابه فهو يؤدي إلى زيادة النفقات العامة، سواء في صورة إعانات اقتصادية للمشروعات الوطنية لتشجيعها على التصدير ومنافسة المشروعات الأجنبية في الأسواق الدولية، أو في صورة إعانات للإنتاج لتمكين المشروعات الوطنية من الصمود والوقوف في وجه المنافسة الأجنبية في الأسواق الوطنية.
2- الأسباب الاجتماعية:
فقد أدى ميل السكان في العصر الحديث إلى التركز في المدن والمراكز الصناعية إلى زيادة النفقات العامة المخصصة للخدمات التعليمية والصحية والثقافية والخاصة بالنقل والمواصلات والمياه والغاز والكهرباء …الخ، ويرجع ذلك إلى أن متطلبات وحاجات سكان المدن أكبر وأعقد من حاجات سكان الريف كما هو معلوم، كما أدى انتشار التعليم إلى تعزيز فكرة الوعي الاجتماعي فأصبح الأفراد يتطلبون من الدولة القيام بوظائف لم تعرفها في العصور السابقة، كتأمين الأفراد ضد البطالة والفقر والمرض والعجز والشيخوخة وغيرها من أسباب عدم القدرة على الكسب، وقد نتج عن منح الدولة لهذه الإعانات وتقديم للعديد من الخدمات الاجتماعية إلى زيادة النفقات العامة وبصفة خاصة النفقات التحويلية.
3- الأسباب السياسية:
إن انتشار المبادئ الديمقراطية ترتب عنها اهتمام الدولة بحالة الطبقات محدودة الدخل، والقيام بالكثير من الخدمات الضرورية لها، وكثيرا ما يدفع النظام الحزبي الحزب الحاكم إلى الإكثار من المشروعات الاجتماعية قصد إرضاء الناخبين وإلى الإفراط في تعيين الموظفين مكافأة لأنصاره وينجم عن هذا كله بطبيعة الحال تزايد في النفقات العامة.
كما يؤدي تقرير مبدأ مسؤولية الدولة أمام القضاء إلى زيادة الإنفاق الحكومي لمواجهة ما قد يحكم به على الدولة من تعويضات وغيرها.
ومن جهة أخرى إن اتساع نطاق التمثيل الدبلوماسي لكثرة عدد الدول المستقلة وزيادة أهميته في العصر الحديث، إلى جانب ظهور منظمات دولية متخصصة وغير متخصصة ومنظمات إقليمية متعددة قد أدى إلى زيادة الإنفاق العام على هذا المرفق الحيوي.
4- الأسباب الإدارية:
مما لا شك فيه أن سوء التنظيم الإداري وعدم مواكبته لتطور المجتمع الاقتصادي والاجتماعي والعلمي، والإسراف في عدد الموظفين وزيادتهم عن حاجة العمل والإسراف في ملحقات الوظائف العامة من سعاة وأثاث وسيارات …الخ يؤدي إلى زيادة الإنفاق الحكومي، وهذه الزيادة في النفقات العامة حقيقية لأنها تؤدي إلى زيادة عبء التكاليف العامة على المواطنين، وإن كانت تمثل زيادة غير منتجة إنتاجا مباشرا لأنه لا يترتب عليها زيادة في القيمة الحقيقية للنفع العام، وهي في حقيقتها أقرب ما تكون إلى النفقات التحويلية منها إلى النفقات الفعلية (الحقيقية).
5- الأسباب المالية:
إن سهولة الافتراض في الوقت الحاضر أدى بالدولة إلى كثرة الالتجاء إلى عقد قروض عامة للحصول على موارد للخزانة العامة مما يسمح للحكومة بزيادة الإنفاق وخاصة على الشؤون الحربية، وهذا فضلا عما يترتب على خدمة الدين من دفع لأقساطه وفوائده من الزيادة في النفقات العامة.
وفي حالة وجود فائض في الإيرادات أو مال احتياطي غير مخصص لهدف معين فإن ذلك يؤدي إلى إغراء الحكومة بإنفاقه في أوجه غير ضرورية، وبذلك تزداد النفقات العامة، وتبدو خطورة هذه السياسة في الأوقات التي تحتم فيها السياسة السليمة على الحكومة العمل على خفض نفقاتها، وذلك لما هو معروف من صعوبة خفض كثير من بنود الإنفاق العام.
الأسباب الحربية:
وهي لا تقل أهمية عن الأسباب السابقة الذكر، إن لم تكن أهمها جميعا في وقتنا الحاضر بالنظر إلى اتساع نطاق الحروب والاستعداد لها وما يترتب عن ذلك من تزايد الإنفاق العسكري في الدولة، ولا يقتصر الأمر في أوقات الحروب فقط، بل يزداد هذا الإنفاق حتى في فترات السلم، وهو ما تؤكده الظروف الراهنة الناجمة عن التوتر العالمي في كافة دول العالم، وتتفاوت الزيادة في النفقات العامة اللازمة للحرب بين مختلف الدول حسب ظروف كل دولة ومركزها السياسي والاقتصادي وسط جوانب الصراع الدولي، ويمكن التأكد من ظاهرة التزايد المستمر في النفقات الحربية إلى حجم الإنفاق العام، وذلك بالرجوع إلى تطور هذه النفقات في الميزانيات العامة لبعض الدول الكبرى، ومن الوقوف على نسب النفقات العامة إلى حجم الدخل القومي في نفس الدول.
وتتسم فترات الحروب عامة بالتبذير الحكومي وصعوبة تحقيق الرقابة على نفقات الدولة أثناء الحرب بسبب كل من: الطبيعة السرية للإنفاق العسكري وسرعة اتخاذ القرارات الانفاقية، وانتهاء الحرب لا يعني انتهاء النفقات الحربية، إذ أنها تنخفض فقط إلى حد معين نظرا إلى أن استمرار التوتر الدولي يحتم على الدول المختلفة الاحتفاظ بقوة ضارية في حالة استعداد مستمر لمواجهة أي تهديد لسلامتها وبالتالي الدخول فيما يسمى بسباق التسلح.
ومن جهة أخرى تزداد النفقات العامة على وجوه معينة بعد انتهاء الحرب كدفع تعويضات وإعانات ومعاشات لضحايا الحرب من قدماء المحاربين وأسر الشهداء بالإضافة إلى نفقات إعادة البناء وتعمير ما دمرته الحرب في الجهاز الإنتاجي للاقتصاد القومي إلى جانب دفع أقساط وفوائد الديون التي عقدتها الدولة أثناء الحرب لتمويل نفقاتها الحربية.
ثانيا: أسباب التزايد الظاهري للنفقات العامة:
ترجع الأسباب المؤدية إلى زيادة النفقات العامة بهذا المعنى إلى تدهور قيمة النقود وطريقة إعداد الميزانية والحسابات العامة وتغير مساحة إقليم الدولة وزيادة عدد سكانها في بعض الأحيان.
1- تدهور قيمة النقود:
إن تدهور قيمة النقود أي انخفاض قدرتها الشرائية يؤدي إلى نقص كمية السلع والخدمات التي يمكن الحصول عليها بواسطة عدد معين من الوحدات النقدية مقارنة بالكمية التي كان يمكن الحصول عليها قبل هذا التدهور، ويترجم تدهور قيمة النقود في ارتفاع المستوى العام للأسعار، وفي الواقع أن مختلف العملات النقدية قد تعرضت إلى تدهور في قيمتها خلال تطورها التاريخي، وإن كانت نسبة هذا التدهور تختلف من عملة إلى أخرى.
ويعني تدهور قيمة النقود أن الزيادة في النفقات العامة تكون ظاهرية في جزء منها، أي لا ينتج عنها زيادة في القيمة الحقيقية للنفع المتحقق من هذه النفقات أو بمعنى آخر إن الزيادة في النفقات العامة قد تعود إلى ارتفاع الأسعار لا إلى الزيادة في كمية السلع والخدمات التي اشترتها أو أنتجتها النفقات العامة.ويعد تدهور قيمة النقود هو السبب الرئيسي في الزيادة الظاهرية في النفقات العامة في العصر الحديث.
2- اختلاف الفن المالي:
وهو يتعلق بإعداد الميزانية والحسابات العامة، فقد ترجع الزيادة في النفقات العامة إلى الاختلاف في الفن المالي وإلى اختلاف طرق قيد الحسابات المالية، فمن المبادئ الفنية المعروفة في إعداد الميزانية العامة للدولة، الأخذ بفكرة الميزانية الصافية أو الإجمالية، وتقوم فكرة الميزانية الصافية على ظاهرة تخصيص الإيرادات العامة، ومؤدى ذلك أن يسمح لبعض الهيئات والمؤسسات العامة مثلا أن تجري مقاصة بين إيراداتها ونفقاتها؛ بحيث تكون لها سلطة طرح نفقاتها من الإيرادات التي تقوم بتحصيلها، وبالتالي فإنه لا يظهر في الميزانية العامة للدولة إلا فائض الإيرادات على النفقات، وفكرة الميزانية الصافية كانت تتبع في الماضي، أما فكرة الميزانية الإجمالية فهي تقوم على أن كل النفقات العامة التي تنفقها المرافق والهيئات العامة تظهر في ميزانية الدولة التي تضم كافة النفقات والإيرادات العامة، وعليه فإن الأخذ بمبدأ الميزانية الإجمالية في سنة معينة، حيث تظهر كافة النفقات العامة للدولة إلى وجود قدر من الزيادة في حجم الإنفاق العام في هذه السنة مقارنة بالنسبة السابقة وتعتبر هذه الزيادة بالطبع زيادة ظاهرية بسبب تغيير القواعد المحاسبية للميزانية لا زيادة حقيقية في النفقات العامة.
3- زيادة مساحة الدولة:
إذا كان الإنفاق العام يتزايد لمجرد مواجهة التوسع في مساحة الدولة أو بزيادة عدد سكانها دون أن يمس الإقليم الأصلي أو السكان الأصليين فإن الزيادة في الإنفاق تكون مجرد زيادة ظاهرية، واتجاه النفقات العامة إلى التزايد في هذه الحالات يكون راجعا إلى التوسع في الخدمات العامة التي كانت تحققها الدولة من قبل، وإنما بسبب اتساع نطاق الحاجة إلى نفس أنواع الخدمات في المساحات الجديدة التي أضيفت لإقليم الدولة، أو لمواجهة حاجات السكان المتزايدون من تلك الخدمات والمنافع العامة، مما يؤدي إلى زيادة الإنفاق العام.
المبحث الثالث: الآثار الاقتصادية للنفقات العامة

لقد أدى التطور في جميع الدول إلى التوسع في الإنفاق العام بصفة مستمرة وإلى تنوعه وتغير هيكله، واستخدامه بهدف التأثير في الاقتصاد القومي وعلى كافة جوانب المجتمع سواء أكانت سياسية أو اجتماعية أو مالية.
وتتوقف الآثار الاقتصادية للنفقات العامة على عدة عوامل منها: طبيعة هذه النفقات، والهدف الذي ترمي إلى تحقيقه، وطبيعة الإيرادات اللازمة لتمويلها، والوضع الاقتصادي السائد.
لا يمكن الخوض في تفاصيل مختلف الآثار الاقتصادية لسائر أنواع النفقات العامة على الاقتصاد القومي وتحليلها تحليلا مستفيضا، إنما سنتعرض وبإيجاز لأهم الآثار بالنسبة لحجم الناتج القومي وطريقة توزيعه، وعلى حجم بعض الكميات الاقتصادية الكلية، كالاستهلاك والادخار والاستثمار، وذلك لكون أن هذه الآثار هي التي تعتمد عليها السياسة المالية الحديثة لمختلف الدول لإحداث آثار كمية وكيفية في اقتصادياتها، وينقسم هذا المبحث إلى مطلبين:
المطلب الأول: أهم الآثار الاقتصادية للنفقات العامة

تنقسم النفقات العامة تبعا لأغراضها إلى عدة أنواع مختلفة ويترتب عنها آثارا متعددة في شتى المجالات فهي تهدف إلى إشباع الحاجات الجماعية والتأثير في مختلف الكميات الاقتصادية، والتأثير في المستوى العام للأسعار، وفي توزيع الدخل القومي، وبالتالي التأثير في التوازن الاقتصادي العام، والآثار الاقتصادية للنفقات العامة قسمان: مباشر وغير مباشر.
I - الآثار المباشرة للنفقات العامة على الإنتاج والاستهلاك القوميين:
تقوم الدولة في العصر الحديث بنوعين رئيسيين من الوظائف في المجتمع، وظيفتها كدولة تقدم خدمات عامة للمواطنين، ووظيفتها كمنظم وتأخذ على عاتقها بعض أوجه النشاط الاقتصادي (أي الإنفاق الاستثماري) التي كانت من اختصاص الأفراد (الاقتصاد الخاص)، وعليه فالاقتصاد العام يمكن أن ينظر إليه بنظرتين: قطاع عام بالمعنى الضيق وهو ذو طابع تنظيمي وسيادي، وقطاع عام بالمعنى الواسع وهو ذو طابع إنتاجي واقتصادي، ولا شك أن لكل نوع من أنواع الإنفاق العام في هذين المجالين آثاره الاقتصادية المباشرة التي يتعين على المسؤولين عن السياسة المالية أخذها بعين الاعتبار عند اتخاذ قراراتهم بشأنها.
أ-الآثار المباشرة للنفقات العامة في الإنتاج القومي:
لا شك أن النفقات العامة تؤثر على الإنتاج والعمالة من خلال تأثيرها في حجم الطلب الكلي الفعلي، إذ تشكل هذه النفقات جزءا هاما من هذا الطلب تزداد أهميته بزيادة تدخل الدولة في حياة الأفراد، وعلاقة النفقات العامة بحجم الطلب وأثرها عليه يتوقف على حجم النفقة ونوعها، فالنفقات الحقيقية تمثل طلبا على السلع والخدمات، أما النفقات التحويلية فأثرها يتوقف على طريقة تصرف المستفيدين بهذه النفقات.
ومن جهة أخرى يرتبط أثر النفقة العامة في الإنتاج بمدى أثر الطلب الكلي الفعلي في حجم الإنتاج والعمالة، وهو ما يتوقف على مدى مرونة الجهاز الإنتاجي أو مستوى العمالة والتشغيل في الدول المتقدمة، وعلى درجة التنمية الاقتصادية بالبلدان النامية، وتأثير النفقات العامة على الإنتاج القومي يدعو إلى التأمل في الأنواع الرئيسية لتلك النفقات (بغض النظر عن تقسيماتها) لبيان مدى الأثر الذي تحدثه في حجم الإنتاج.
وأول هذه الأنواع:
1- النفقات الإنتاجية: وهذه النفقات سواء تولتها الدولة مباشرة عن طريق قيامها بالإنتاج (الدولة المنتجة) أو عملت على مد بعض المشروعات الخاصة أو العامة بها في شكل إعانات اقتصادية لتحقيق هدف اقتصادي معين، فهي تساعد بشكل عام على إنتاج السلع المادية والخدمات العامة اللازمة لإشباع الحاجات الاستهلاكية للأفراد، كما تنتج رؤوس الأموال العينية المعدة للاستثمار (أموال الاستثمار)، ويعتبر هذا الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري من النفقات المنتجة التي تؤدي إلى زيادة حجم الدخل القومي ورفع الكفاءة الإنتاجية للاقتصاد القومي.
وقد تمنح الدولة بعض المشروعات الخاصة أو العامة وإعانات اقتصادية لتحقيق أغراض مختلفة منها التدخل في سياسة الأثمان ومحاربة التضخم في بادئ الأمر ثم تطورت وظيفة هذه الإعانات تطورا كبيرا، فالبنسبة للإعانات الاقتصادية للمشروعات الخاصة يمكن أن نميز بين نوعين أساسيين هما:
1/- إعانات تعطي بهدف سد العجز الناتج عن نشاط المشروع قصد تشجيع نوع معين من النشاط الاقتصادي مما يحفز المنظمين على الاستمرار في هذا النشاط.
2/- وإعانات تمنح لمساعدة المشروع على تجهيز نفسه بالمعدات والوسائل اللازمة لنشاطه الإنتاجي.
ومن أبرز الآثار المرجوة من وراء هذه الإعانات: هو توجيه الاستثمارات الوجهة التي تراها الدولة كفيلة بتحقيق أهدافها: سواء المتعلق منها بالتنمية الاقتصادية أو توازن ميزان المدفوعات، والعمل على زيادة معدل تكوين رأس المال، وبالتالي المحافظة على معدل نمو الناتج القومي.
أما عن الإعانات الاقتصادية التي تقدمها الدولة للمشروعات العامة فمبررها هو كون أن بعض هذه المشروعات لا يسعى من وراء قيامه بنشاطه إلى تحقيق الربح، بل وقد يعرض إنتاجه بسعر يقل عن سعر التكلفة إشباعا للحاجات العامة الضرورية التي تجد الدولة نفسها مضطرة لأخذ أمر إشباعها على عاتقها مثل إنتاج مياه الشرب والكهرباء، كما وأن البعض الآخر يقوم بنشاط إنتاجي هو في الأصل من مجالات النشاط الخاص ولكن الدولة ترى أن القيام بها يحقق فلسفتها الاقتصادية والاجتماعية.
وتهدف الدولة من وراء ما تقدمه من إعانات للمشروعات العامة التي تعمل في مجال إشباع الحاجات الضرورية إلى إعادة التوازن المالي لهذه المشروعات وسد عجزها والحفاظ على استمرار نشاطها لما له من نفع عام.
أما الإعانات الممنوحة للنوع الثاني من المشروعات العامة فتستمد أسبابها من واقع التطور الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع أو لاعتبارات فلسفية تتمثل في الالتزام بتطبيق إيديولوجية معينة.
2- آثار النفقات الاجتماعية: هذه النفقات سواء اتخذت شكل تحويلات نقدية في صورة تحويلات نقدية معينة أو شكل تحويلات عينية في صورة سلع وخدمات فهي تؤثر على الإنتاج القومي، وتهدف التحويلات النقدية إلى تحويل جزء من القوة الشرائية لصالح الفئات الفقيرة أو لذوي الدخل المحدود كإعانات البطالة ومختلف مساعدات التضامن الاجتماعي، وإنفاق هذه الفئات المستفيدة من التحويلات النقدية على السلع والخدمات الاستهلاكية الضرورية سيؤدي إلى زيادة الطلب الفعلي وهذا بدوره يؤدي إلى زيادة الإنتاج.
أما التحويلات العينية فمن آثارها المباشرة تشجيع استهلاك بعض الفئات الضعيفة اقتصاديا لسلع وخدمات معينة تعطيها الدولة الأولوية وترى فيها تحقيقا لأهدافها الاقتصادية والاجتماعية.
أما النفقات الاجتماعية التي تتخذ صورة الإعانات أو التحويلات المباشرة فإنها تؤدي إلى زيادة الإنتاج بشكل ملموس، فهي تعمل على زيادة إنتاج السلع والخدمات الاستهلاكية كنفقات الصحة والتعليم والثقافة والإسكان والمياه الصالحة للشرب …الخ وهي تؤدي إلى رفع المستوى الاجتماعي للأفراد وتمكينهم من أداء نشاطهم بكفاءة أكبر.
3- أثر النفقات العسكرية أو الحربية:
تمثل النفقات العسكرية عبئا كبيرا في ميزانيات معظم الدول الحديثة والبحث عن آثارها يثير العديد من الصعوبات الناتجة عن خروج هذه النفقات في كثير من الأحيان عن النطاق الاقتصادي إلى المجال السياسي والاستراتيجي البحت.
وقد كان الفكر التقليدي يعتبر النفقات العسكرية من بين النفقات التي تذهب للاستهلاك غير المنتج، بينما يميل الفكر الحديث إلى التمييز بين نوعين من الآثار التي تطرأ على الإنتاج القومي من جراء هذا الإنفاق وهما الآثار الانكماشية والآثار التوسعية.
قد تحدث النفقات العسكرية أثرا انكماشيا في حجم الإنتاج القومي وذلك في الحالات التي يترتب عليها تحويل جزء من الموارد المادية والبشرية المتاحة من الاستعمال المدني إلى الاستعمال العسكري، مما يؤدي إلى انخفاض حجم الإنتاج القومي، وإلى ارتفاع أثمان عناصر الإنتاج، وبالتالي ارتفاع أثمان المنتجات وانخفاض الطلب الاستهلاكي.
ومع ذلك فمن المتصور أن يترتب عن النفقات العسكرية أثرا توسعيا على حجم الإنتاج القومي وذلك في حالات متعددة، منها الأحوال التي تستخدم فيها هذه النفقات في إنشاء صناعات معينة أو إنشاء المطارات والموانئ والطرق والسدود يفيد منها الاقتصاد القومي في الإنتاج المدني فيما بعد الحرب، وحتى قبل انتهائها إذا زادت عن حاجة الإنتاج الحربي، كذلك فكثيرا ما يتولد عن الإنفاق العسكري تقدم علمي في فنون الإنتاج، إذ تخصص نسبة هامة منه للبحوث العلمية وعلى الأخص في الدول المتقدمة، بما يفيد في نهاية المجالين الحربي والمدني على السواء.
وبشكل عام فإن النفقات العسكرية تؤثر في الأوضاع الاقتصادية السائدة في الدولة وتتأثر بها، فمن جهة تعوق التوسع في الإنتاج وتستخدمه في شراء الأسلحة والمعدات الحربية من الخارج مما يسجل عجزا في ميزان المدفوعات أما إذا كانت النفقات العسكرية تصرف في سبيل إنشاء صناعات في الداخل فإنها تعمل على زيادة حجم الدخل القومي.
ب-الآثار المباشرة للنفقات العامة في الاستهلاك القومي:
تؤثر النفقات العامة في الاستهلاك القومي بطريق مباشر، وذلك عن طريق الزيادة الأولية في الطلب على أموال الاستهلاك نتيجة للإنفاق العام ويمكن تتبع هذا النوع من الآثار من خلال نفقات الاستهلاك الحكومي أو العام ومن خلال النفقات التي توزعها الدولة على الأفراد في شكل مرتبات أو أجور تخصص نسبة منها لإشباع الحاجات الاستهلاكية من السلع والخدمات.
1- فالبنسبة لنفقات الاستهلاك الحكومي أو العام: يبدو أثرها على زيادة الاستهلاك من خلال ما تقوم به الدولة في سبيل إشباع الحاجات العامة من إنفاق، وقد يتخذ الاستهلاك الحكومي صورة شراء سلع أو مهمات تتعلق بأداء الوظيفة العامة أو تلزم الموظفين العموميين أو لأعمال المرافق والمشروعات العامة.
2- نفقات الاستهلاك الخاصة بالدخول الموزعة على الأفراد: تبدأ آثار هذه النفقات عندما تقوم الدولة بتخصيص جزء من النفقات العامة لدفع مرتبات وأجور ومعاشات لموظفيها وعمالها الحاليين والسابقين، ويخصص الجزء الكبر من هذه الدخول الموزعة على الأفراد لإشباع الحاجات الاستهلاكية الخاصة من السلع والخدمات، وتعتبر نفقات الدولة في هذه الحالة مقابل ما يؤديه عمالها من أعمال أو خدمات، ولذلك فهي تعتبر من قبيل النفقات العامة المنتجة، حيث تؤدي مباشرة إلى زيادة الإنتاج الكلي.
- II الآثار غير المباشرة للنفقات العامة على الإنتاج والاستهلاك
بحث أثر المضاعف والمعجل:
عادة ما تحدث النفقات العامة آثارا غير مباشرة على الاستهلاك وعلى الإنتاج من خلال الأثر الخاص يعاملي المضاعف والمعجل، فالنفقات لا تؤثر فقط على الاستهلاك بتأثير عامل المضاعف، ولكنها تعود فتؤثر على الإنتاج كنتيجة غير مباشرة لعمل المضاعف نفسه، وكذلك القول بالنسبة لأثر عامل المعجل أنه لا يؤثر على الإنتاج فقط ولكنه يعود فينتج أثره غير المباشر على الاستهلاك أيضا.
لفهم فكرتي المضاعف والمعجل يستوجب على الطالب الإلمام بالمواضيع التالية: دالة الاستهلاك، ودالة الادخار ودالة الاستثمار أولا ثم يعد ذلك يمكن القيام بالتحليل للموضوع المذكور أعلاه.







المطلب الثاني: دور النفقات العامة في تحقيق أهداف السياسة الاقتصادية


تعتمد الدول بشكل كبير على الإنفاق العام في تحقيق العديد من أهداف السياسة الاقتصادية، وفيمايلي نتناول دور النفقات العامة في تحقيق أهم أهداف هذه السياسة.
1/- النفقات العامة والنمو الاقتصادي:
كثيرا ما تساهم النفقات العامة إلى جانب الأدوات المالية الأخرى (الضرائب، القروض العامة، الائتمان الحكومي …الخ) في تحقيق معدل مرتفع من النمو الاقتصادي ويتم ذلك من خلال:
-
تخصيص جزء معتبر من النفقات العامة لتحقيق معدل مرتفع من التراكم الرأسمالي، ويتم ذلك عن طريق زيادة الاستثمار العام، أو عن طريق زيادة الإعانات الاقتصادية للمشروعات الخاصة بهدف زيادة استثماراتها.
-
تخصيص جزء من الإنفاق العام لتكوين رأس المال الإنساني ورفع كفاءته.
-
تخصيص جزء من الإنفاق العام لأغراض البحوث الهادفة إلى تحقيق التقدم التكنولوجي في مجالي الإنتاج والتوزيع.
2/- النفقات العامة والاستقرار الاقتصادي:
على خلاف اعتقاد النظرية التقليدية بوجود قوى تلقائية في السوق تضمن التوازن التلقائي، غير أن تجربة البلدان الرأسمالية أثبتت خطأ تلك النظرية، ودعى كينز الذي ظهرت أفكاره بعد أزمة الكساد الكبير بتدخل الدولة من أجل ضمان التوازن الاقتصادي العام، ويرجع إلى كل من كينز وهانسن ولرنر الفضل في تبيان أهمية استخدام المالية العامة كأداة لتحقيق أهداف السياسة المالية، وتتلخص نظرية المالية الوظيفية في اعتبار أن الإيرادات العامة والنفقات العامة والدين العام على أنها أدوات الدولة في الإشراف على مستوى الإنفاق القومي وذلك بهدف تحقيق التشغيل الكامل واستقرار الأسعار، إذ تستخدم الضرائب للتأثير على الإنفاق الكلي بالزيادة أو بالنقص، كما تستخدم التغيرات في الإنفاق كأداة لزيادة الإنفاق الكلي أو خفضه، وبالمثل يمكن استخدام الدين العام كأداة لسحب وامتصاص الأموال المكتنزة لدى الأفراد، وللحد من السيولة في حالة التضخم، وزيادتها في أوقات الكساد.
3/- النفقات العامة وإعادة توزيع الدخل القومي:
تؤثر الدولة في توزيع الدخل القومي على مرحلتين: فهي تتدخل أولا في توزيع الدخل القومي بين الذين شاركوا في إنتاجه أي بين المنتخبين، وهو ما يعرف بالتوزيع الأولي، ثم تتدخل ثانيا بإدخال ما تراه مناسبا من التعديلات من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية على التوزيع الأولى وهو ما يعرف بإعادة توزيع الدخل القومي.
3-1- دور الدولة في التوزيع الأولي للدخل: تؤثر الدولة في التوزيع الأولي للدخل من خلال: دفع دخول جديدة للأفراد الذين يقدمون إليها سلعا أو خدمات معينة تؤدي إلى زيادة الإنتاج القومي، فالدولة تحدد مكافآت عوامل الإنتاج المتمثلة في الأجور أو المرتبات أو الفوائد أو الريع أو الأرباح، كما تحدد أيضا أثمان المنتجات ويعني ذلك التأثير على الأرباح وبالتالي في توزيع الدخل القومي على العوامل التي شاركت في إنتاجه.
3-2- دور الدولة في إعادة توزيع الدخل القومي: تستطيع الدولة أن تتدخل لإعادة توزيع الدخل القومي بين الأفراد وذلك عن طريق إدخال تعديلات على حالة التوزيع الأولى باستخدام النفقات العامة ويتسنى للدولة القيام بالمهمة من خلال نفقاتها الحقيقية أو نفاقتها التحويلية والسبب في لك أن النفقات التحويلية تهدف أساسا إلى إعادة توزيع الدخل لصالح بعض الأفراد للحد من التفاوت بين الطبقات أو لصالح بعض فروع الإنتاج وحتى يحقق الإنفاق العام آثاره المرجوة في إعادة توزيع الدخل القومي بين فئات المجتمع فإنه يشترط أن تكون معظم الإيرادات التي يعتمد عليها الإنفاق العام مستمدة من الضرائب المباشرة وبصفة تصاعدية لأن نصيب الطبقات الغنية من الدخل أكبر بكثير من نصيب الطبقات الفقيرة.
ولمزيد من التفاصيل حول الموضوع يمكن الرجوع إلى المراجع التالية:
1-
د.رفعت المحجوب "المالية العامة"، ج1، دار النهضة العربية، القاهرة، 1971.
2-
د.أحمد جامع "علم المالية"، ج1، دار النهضة العربية، القاهرة، 1975.
3-
د.زين العابدين ناصر "علم المالية العامة"، القاهرة، 1975.
4-
د.عادل أحمد حشيش "أساسيات المالية العامة"، مرجع سابق.
5-mourice duverger : « Finances Publiques », pp 27-40
6-
د.المرسي السيد حجازي "مبادئ الاقتصاد العام، النفقات والقروض العامة"، الدار الجامعية، 2000.


EmoticonEmoticon