الخميس، 26 نوفمبر 2015

اللامركزية الإدارية

المبحث الثاني: اللامركزية الإدارية.

- مفهومها:
بقصد باللامركزية الإدارية توزيع الوظائف الإدارية بين الحكومة المركزية في العاصمة و بين هيئات محلية أو مصلحية مستقلة. ومن هنا يتبين لنا أن النظام المركزي يقابله تماما النظام اللامركزي، إذ الأول يعتمد على ظاهرة تركيز الوظيفة الإدارية و الثاني يقوم على توزيعها.


و للامركزية الإدارية جانبين: جانب سياسي يتمثل في تمكين الأجهزة المحلية المنتخبة من قبل الشعب و تسيير شؤونها بيدها مما يحقق مبدأ الديمقراطية الإدارية. أما الجانب القانوني فيتجسد في توزيع الوظيفة الإدارية في الدولة بين الأجهزة المركزية و الهيئات المستقلة ذات الطابع المرفقي أو المصلحي من جهة ثانية، وهو ما من شأنه أن يقرب الإدارة أكثر من الجمهور. وحتى يتسنى لنا تقريب مفهوم اللامركزية الإدارية بشكل جيد يقتضي الأمر منا تمييزها عن النظم المشابهة لها خاصة نظام عدم التركيز الإداري و النظام الفدرالي وهو ما سنوضحه فيما يأتي:



اللامركزية الإدارية و عدم التركيز الإداري:
لعل اللبس قد يثور بين اللامركزية و عدم التركيز الإداري خاصة وأن كلاهما يعد أسلوبا من أساليب الوظيفة الإدارية. لذلك تعين علينا إبراز نقاط الاختلاف بين النظامين لتتضح بشكل أكثر وبصورة أعمق فكرة اللامركزية.
إن عدم التركيز الإداري يشكل صورة من صور النظام المركزي كما رأينا  يخول بمقتضاه ممثل السلطة المركزية صلاحية القيام ببعض الأعمال وإصدار القرارات بتفويض منها.
وهذا الأسلوب المتطور و المرن لفكرة المركزية تم اعتماده عندما ثبت أنّه من المتعذر عمليا تطبيق النظام المركزي بالصورة المطلقة التي رأيناها (المركزية المتوحشة كما أطلق عليها)، لذا تعين على الإدارة المركزية تفويض و نقل جزء من صلاحيتها إلى ممثليها المنتشرين في كل الأقاليم.
وإذا كان ممثلو السلطة المركزية يتمتعون بشيء من الاستقلالية، إنما هو استقلال عارض فرضته عوامل فنية ومنطقية يمكن حصرها في صعوبة تحكم السلطة المركزية في كل صغيرة و كبيرة تحدث في كل جزء أجزاء الإقليم. كما أن ممثل السلطة المركزية يمارس مهامه تحت إشراف ورقابة الوزير بحكم السلطة الرئاسية التي تخوله ممارسة صلاحيات على أشخاص الموظفين وأعمالهم. وهذا خلافا لاستقلال الوحدات الإدارية و المحلية فهو استقلال أصيل لا تستطيع السلطة المركزية أن تنقص منه أو أن تفرض تبعية الهيئة المحلية لها بحكم تمتع هذه الأخيرة بالشخصية المعنوية.
وتبعا لذلك فإن لا تربط بين  مسيري الأجهزة المحلية و السلطة المركزية رابطة التبعية أو السلطة الرئاسية، مثلما هو الشأن عند تطبيق نظام عدم التركيز الإداري، وإنما تربطهم بها فكرة الرقابة الوصائية كما بينا ذلك سابقا. غير أن التركيز الإداري كما يرى البعض قد يكون خطوة في سبيل اللامركزية الإدارية. وربما تحدث الدولة هيئات عدم التركيز لتكون بمثابة همزة وصل بين الهيئة المستقلة ذات الطابع المحلي وجهة وصائية مثلما هو الأمر عندنا في نظام الدائرة.

اللامركزية و الفدرالية:
يمكن التمييز بين النظام اللامركزي و النظام الفدرالي بالنظر لما يلي:

1- من حيث مجال الدراسة: إن النظام اللامركزية يشكل صورة من صور التنظيم الإداري. وهو مجال يهتم به فقهاء القانون الإداري. بينما النظام الفدرالي نظام يتعلق بشكل الدولة و يهتم به فقهاء القانون الدستوري و المهتمين بالعلوم السياسية.

2- من حيث نطاق المشاركة: إن النظام الفدرالي كشكل من أشكال الحكم يضبطه مبدأ عام هو " قانون المشاركة" و يعني اشتراك كل دولة عضو في الدولة الاتحادية بتكوين الإرادة العامة، وذلك بتمكينها من المشاركة في الهيئة التشريعية بحسب ما هو مطبق مثلا في الولايات المتحدة الأمريكية (مجلس الشيوخ). بينما الهيئات المحلية كصور من النظام اللامركزي لا تشارك في تكوين إرادة الدولة بذات الوصف الأول.

3- من حيث المنظومة القانونية: إنّ من آثار النظام الفدرالي أن يكون لكل دولة دستورها الخاص و تشريعاتها الخاصة و هيئاتها المستقلة و نظامها القانوني المتميز. بينما تخضع المجموعات المحلية لذات النظام القانوني وان تعددت، تشرف على سنه هيئة تشريعية واحدة.[15]

4- من حيث الصلاحيات وأداة توزيعها:  إن توزيع الصلاحيات بين الدولة المركزية و الدول الأعضاء، أي تحديد ما يعد من الشؤون الوطنية الاتحادية، وما يعد من شؤون الدولة المتحدة، يتم عن طريق الدستور الاتحادي، بينما توزيع الصلاحيات في النظام اللامركزي يتم بموجب قانون الإدارة المحلية أو الهيئات المستقلة و خاضع لمشيئة وإرادة الدولة.

* الاعتبارات الواجب مراعاتها لتجسيد اللامركزية:
إنّ تجسيد اللامركزية يفرض على الدولة مراعاة العديد من الاعتبارات يأتي على رأسها ما يلي:

1- نوع الوظائف و المهام:
 لا تخول استقلالية المجموعات المحلية الاعتراف لها بممارسة جميع الوظائف والمهام، بل هناك وظائف نظرا لطابعها لا تحتاج إلى تفويض كالدفاع و الأمن والقضاء و المالية، أما وظائف أخرى كالتجهيز و الفلاحة و النقل و التجارة وغيرها يمكن نقلها على مستوى الإقليم.

2درجة النمو و الوعي الاجتماعي: إن اللامركزية في صورتها الإقليمية تعني أنّ تعهّد شؤون الإقليم للإدارة المحلية. وهذا يفرض كفاءة ودرجة من الوعي الاجتماعي حتى نضمن نجاحا أكبر.

3- مدى توفر الخبراء الإداريينإن عدم توفر الأعداد و النوعيات الكافية من الخبراء يجعل من الصعب اتخاذ قرار ما. وهو ما سينعكس سلبا على شؤون الإقليم.[16]

* أركان اللامركزية الإدارية:
  يقوم النظام اللامركزي على ثلاثة أركان فهو يعترف بوجود مصالح محلية متميزة و يعترف أيضا بوجود هيئات محلية أو مرفقة مستقلة.و يربط هذه الأجهزة المستقلة بالسلطة المركزية بموجب فكرة الوصاية نحلل بشيء من الإيجاز كل ركن لوحده. 

أولا: الاعتراف بوجود مصالح محلية متميزة.
إذا كان يجب أن تشرف الدولة ممثلة في جهازها المركزي على تسيير شؤون الدفاع و القضاء و المرافق الإستراتيجية ذات الطابع الوطني، فإنه من الأفضل والأنسب أن تترك بعض الأعمال كالنقل و توزيع المياه و نظافة المدينة و الصحة و التعليم لتسير محليا وذلك انطلاقا من فكرة أن أبناء المنطقة هم أعلم بشؤونهم أو بشؤون إقليمهم.
وتطبيقا لفكرة توزيع الاختصاص هذه تتولى الأجهزة المركزية القيام بمهام معينة أصطلح على تسميتها بالمهام الوطنية كشؤون الدفاع و الأمن و الخارجية ورسم السياسة العامة في المجال التربوي و الاقتصادي و التعليم العالي و غيرها، تاركة بقية المهام لتسير و ترسم و تدار من قبل الأجهزة المحلية.
ولقد وجد الفقه صعوبة كبيرة في ترشيح معيار فاصل بين المهام الوطنية والمهام المحلية. فقيل أنّه متى اتصلت المهام بإقليم واحد كنا أمام شؤون محلية كشؤون المواصلات و السكن و غيرها.و متى كانت تخص مجموع المواطنين وكل المناطق فهي شأن من شئون  السلطة المركزية. ونتيجة لهذا التنوع برز على المستوى الفقهي مصطلح الشئون البلدية والشئون الإقليمية والشئون الوطنية.
ولقد احترم النقاش في الفقه بشأن مفهوم الاستقلال وأدواته القانونية. فرأى البعض أن استقلال الهيئات المحلية لا يستوجب بالضرورة اختيار العنصر المسيّر عن طريق الانتخاب، بدليل أن المؤسسات العامة تتمتع باستقلاليتها عن الأجهزة المركزية، رغم أن مسيروها معينون. بل الاستقلالية الحقيقية تكمن في الناحية الوظيفية أو الفعلية، أي هل من الناحية العملية نلاحظ فعلا استقلالا للهيئة المحلية عن السلطة المركزية. فإذا ما تأكد ذلك كنا أمام فصل بين هيئتين فصلا قانونيا ولا عبرة بشكل الهيئة المسيرة على المستوى المحلي عما إذا كانت تتكون من منتخبين فقط أو معينين و منتخبين، بل العبرة في ممارسة المهام.
وساق أصحاب هذا المذهب للتدليل على وجهة نظرهم المثال من استقلال القضاء هذا الاستقلال الذي لا ينفيه كون القضاة يعينون بواسطة السلطة التنفيذية مادام قد أحيطوا بضمانات أبرزها عدم قابليتهم للعزل.
وتبعا لهذا الرأي فإنّ المؤسسات العامة التي عين مسيروها تمثل صورة من صور عدم التركيز الإداري. وذهب أصحاب هذا الرأي أبعد من ذلك إلى القول أن الانتخاب قد يكون ضارا إذا كان سكان الإقليم لم يبلغوا درجة من الوعي السياسي و التأهيل المطلوب لتسيير شؤون الإدارة المحلية.[17]       
وخلافا للرأي الأول ذهب اتجاه آخر في الفقه إلى القول أن استقلال الأجهزة المحلية عن السلطة المركزية يقتضي تطبيق نظام الانتخاب فهو الضمانة الحقيقية والوحيدة لتجسيد فكرة الاستقلالية.
فالعبرة لضمان الاستقلال لا تكمن في الفصل الوظيفي و توزيع الاختصاص بين الأجهزة المركزية و الأجهزة المحلية، وإنما العبرة أساسا تكون في شكل الهيئة المديرة على المستوى المحلي، هذه الأخيرة التي ينبغي أن تتكون من منتخبين حتى نضمن عدم تبعيتهم للسلطة المركزية. لذلك قال موريس هوريو " إنّ اللامركزية تميل إلى إحداث مراكز إدارية عامة مستقلة يعين أشخاصها بطريق الانتخاب ليس بهدف اختيار أفضل السبل لإدارة الوحدات المحلية، وإنما من أجل مشاركة أكثر ديمقراطية للمواطنين."
فالمركزية قد توفر لنا على الصعيد الإداري إدارة حسنة. ولكن الوطن بحاجة أيضا إلى حريات سياسية تفرض مشاركة واسعة من الشعب في الحكم بواسطة السياسية و الناخبون لا تكتمل ثقافتهم إلا عن طريق الانتخابات المحلية.[18]  وكأنّ بهذا الفقيه يريد القول أنه أيا كانت مزايا النظام المركزي، سواء في المحافظة على الأموال العامة و صيانتها، أو تحقيق العدالة بين الجمهور، أو تجسيد العمل الإداري بكيفية و نمط واحد، إلا أن النظام اللامركزي يكفه شرفا  وفخرا أنه يجسد فكرة الديمقراطية بإشراك الشعب في تكوين المجالس المنتخبة. حتى أنّ البعض قال أنّه في البلدية تكمن قوة الشعب الحر.[19]
ومما لاشك فيه أنّ الانتخاب هو الضمانة الأساسية و الوسيلة المثلى لتحقيق الديمقراطية. هذه الأخيرة التي تفرض أن يشارك الشعب في تسيير الشؤون المحلية عبر مجلس منتخب لأن القول بخلاف ذلك مدعاة لتدخل السلطة المركزية في شؤون الإقليم، وهو ما يفقد في النهاية الغاية من وجود هيئات محلية مستقلة.

ثالثاخضوع الأجهزة المستقلة لوصاية السلطة المركزية.
سبق القول أن اللامركزية الإدارية تمثل صورة من صور الإدارة الذاتية إذ أنها تمكن الإدارة المحلية أو المرفق من تسيير شؤونه بنفسه دون حاجة للرجوع للسلطة المركزية. وإذا كان الشخص المعنوي اللامركزي يتمتع بصلاحيات أصيلة يمارسها بعيدا عن السلطة المركزية بحيث تتوزع الوظيفة الإدارية بين الشخص المعنوي العام الأساسي أي الدولة و الأشخاص العامة القانونية الأخرى كالمجموعات المحلية، فإنّ هذا الاستقلال لا يصل إلى حد الانفصال المطلق و إلى إعدام كل علاقة بين هذه الأشخاص و الدولة، بل تظل العلاقة قائمة بن الهيئة المستقلة والدولة بموجب نظام يعرف (بالوصاية الإدارية). 

المقصود بالوصاية الإدارية:  لعلّه اتضح لنا مما تقدم أنّ اللامركزية نظام وسط فلا يترتب عليها الخضوع و التبعية و العلاقة الرئاسية بين الجهاز المركزي والوحدة الإدارية المستقلة لأن السلطة الرئاسية كما رأينا تشكل مظهرا من مظاهر النظام المركزي. ولا يترتب عليها الاستقلال التام و المطلق عن الدولة لأن هذا الأخير يؤدي إلى زعزعة كيان الدولة و يهدد وحدتها الترابية ووجودها، إذن لا مفر من ربط الجهاز المستقل بالجهاز المركزي وأداة الربط هي نظام الوصاية.
ويقصد بها مجموع السلطات التي يقررها القانون لسلطة عليا على أشخاص الهيئات اللامركزية وأعمالهم بقصد حماية المصلحة العامة.[20] ومن هنا فإنّ نظام الوصاية أداة قانونية بموجبها نضمن وحدة الدولة وذلك بإقامة علاقة قانونية دائمة و مستمرة بين الأجهزة المستقلة و السلطة المركزية، كما أن نظام الوصاية[21] يكفل للهيئات المستقلّة حقها في اتخاذ القرار بالكيفية و الحدود التي رسمها القانون.
وحتى يتضح لدينا أكثر مفهوم الوصاية رأينا أنّه من الضرورة تمييزه عن الأنظمة المشابهة له.
التمييز بين الوصاية الإدارية و الوصاية المدنية
رغم أنّ مصطلح الوصاية من أصل و منشأ مدني، إلا أن له في المجال الإداري مفهوم خاص يختلف اختلافا كبيرا عن مفهومه السائد في القانون الخاص. نوجز أهم نقاط الاختلاف بين النظامين فيما يلي:  
1. إنّ الوصاية المدنية تقرر في القانون الخاص لناقصي الأهلية و هم المشمولين بالوصاية.[22] أما الوصاية الإدارية فلا يرجع تقريرها إلى نقص في أهلية الشخص اللامركزي سواء كان في شكل إدارة محلية (ولاية أو بلدية) أو مرفق مستقل، لأن هذه الهيئات جميعا كما رأينا واستنادا للمادة 49 من القانون تتمتع بوجود قانوني مستقل عن الشخص المعنوي الأم و هي الدولة. وهذا الاستقلال يمكنها من صلاحية تسيير شؤونها بيدها دون رجوع للسلطة المركزية. وقررت هذه الوصاية بغرض حماية المصالح العامة و محاولة بعث نسق إداري موحد في العمل الإداري، وهذا المحور يتجلى لنا بوضوح في تعريف الفقه لنظام الوصاية الإدارية.

2. طبقا لمفهوم الوصاية في المجال المدني يتولى الوصي صلاحية مباشرة أي عمل، وينتج آثاره القانونية إذا تم في الحدود التي رسمها القانون. ويسري هذا التصرف كما لو قام به المعني (القاصر) وكان كامل الأهلية، فنحن أمام شخص واحد يملك سلطة التصرف. وإن كنّا من حيث الشكل نلاحظ شخصين قاصر ووصي عليه.[23] بينما في المجال الإداري فنحن أمام شخصين قانونيين مستقلين يملك كل واحد منهما سلطة التصرف باسمه ولحسابه بالكيفيات و في الإطار الذي حدده القانون، فلا يتصرف شخص باسم و لمصلحة شخص آخر.

3. يمارس الوصي في المجال المدني أعماله باسم و لحساب القاصر طالما كان نائبا قانونيا عنه، بينما في الوصاية الإدارية يتولى النائب مباشرة جميع الأعمال باسم الشخص المعنوي المستقل.

4. إنّ الوصاية في المجال المدني تهدف إلى حماية المال الخاص هو مال من كانت أهليته مفقودة، بينما الهدف من الوصاية في النظام الإداري هو حماية المال العام.

 التمييز بين الوصاية الإدارية و السلطة الرئاسية:
تختلف الوصاية الإدارية عن السلطة الرئاسية من عدة نواح أبرزها:
1- من حيث أداة ممارسة الرقابة: إنّ رقابة الجهة الوصية (سلطة الوصاية) يجب أن تكون منصوصا عليها قانونيا. أي أن رقابة الإشراف لا تمارس و لا يكون لها وجودا إلا إذا نص عليها القانون الذي يتولى إثبات سلطة الإشراف و يبين عناصرها وأدواتها القانونية ذلك أنه " لا وصاية دون نص". وهذا خلافا للرقابة الرئاسية لا تحتاج ممارستها إلى نص فهي تمارس بصفة تلقائية لأنها من موجبات النظام المركزي الذي يقوم على فكرة السلطة الرئاسية كما بينا و يحدث علاقة من التبعية و الخضوع بين الرئيس الإداري و المرؤوس. وهو ما أكدته نصوص الوظيفة العمومية سابق الإشارة إليها.      

2-من حيث طبيعة الرقابة: إنّ الرقابة الرئاسية رقابة معقدة تحكمها كثير من الآليات القانونية و هذه الرقابة تجعل الرئيس الإداري في موقع يؤهله من إصدار الأوامر إلى مرؤوسيه سواء كانوا في الوزارة أو غيرها من الوحدات الإدارية وذلك بغرض تنفيذها. كما أنه يراقب هذا التنفيذ.
أما سلطة الوصاية فهي رقابة بسيطة من حيث الإجراءات و الممارسة لأنها من موجبات النظام اللامركزي الذي لا يمكن سلطة الوصاية من حيث الأصل من فرض أوامرها و توجيهاتها بحكم استقلالية الهيئة المحلية أو المرفقية.[24]

3- من حيث الطعن: لا يملك المرؤوس في ظل النظام المركزي أن يطعن في قرار رئيسه الإداري بسبب السلطة الرئاسية و هذا ما أقره القضاء الفرنسي. ولأنّه لا يعقل أن نعترف من جهة للرئيس الإداري بسلطة إصدار الأوامر و التوجيهات للمرؤوسين بغرض تنفيذها ثم نعطي بالمقابل لهؤلاء حق الطعن في هذه الأوامر ومساءلة رؤسائهم أمام السلطة القضائية. وخلاف ذلك يجوز للهيئة المحلية أن تطعن قضائيا في قرار الجهة المركزية.
4- من حيث قواعد المسؤولية: من موجبات السلطة الرئاسية أن يسأل الرئيس عن أعمال المرؤوس لأنه يفترض فيه أنه هو مصدر القرار وأن له حق الرقابة والإشراف و التوجيه. بينما لا تتحمل سلطة الوصاية أيّة مسؤولية بشأن الأعمال الصادرة عن الجهاز المستقل.

مظاهر الرقابة الإدارية التي تمارسها الإدارة المركزية على الإدارة المحلية:
سبق البيان أن اللامركزية لا تعني الاستقلال التام المطلق للهيئة التي تتمتع بالشخصية المعنوية وانفصالها عن السلطة المركزية، وهي لا تعني أيضا الخضوع والتبعية، بل تعني تمتع الجماعات المحلية بقدر من الاستقلال في ممارسة مهامها إزاء الإدارة المركزية مع خضوعها لنوع من الرقابة أطلق عليها اصطلاحا بالرقابة الوصائية (Contrôle de Tutelle). وتتجلى مظاهر هذه الرقابة في مجالات ثلاث رقابة على الأشخاص ورقابة على الهيئة ورقابة على الأعمال.[25]


أ – الرقابة على الأشخاص
إن استقلالية المجموعات المحلية لا تمنع قانونا السلطة المركزية من ممارسة الرقابة على الأشخاص المشرفين على التسيير على المستوى المحلي.فتملك السلطة المركزية صلاحية تعيينهم ونقلهم وتأديبهم كالولاة والمديرين التنفيذيين على مستوى الولايات.أما بالنسبة للمنتخبين فيجوز لها وقفهم أو إقصائهم من المجالس المنتخبة وفقا للإجراءات التي حددها القانون.
ب- الرقابة على الهيئة: تملك السلطة المركزية ممارسة صلاحية على الهيئة تتمثل في الحل. و يقصد به الإعدام القانوني للمجلس و تجريد الأعضاء من صفتهم (كمنتخبين).ونظرا لخطورة هذا الإجراء فقد تم ضبطه من حيث الجهة المختصة بممارسته كما تم رسم و تبيان حالاته وإجراءاته. وتملك السلطة المركزية أيضا حق دعوة المجلس للانعقاد في دورة استثنائية. وتساهم في دعمه ماليا في حالة العجز.

ج- الرقابة على الأعمالتتجلى هي الأخرى في المصادقة و الإلغاء و الحلول.

المصادقة:  أوجبت مختلف قوانين الإدارة المحلية في الدول العربية إخضاع بعض قراراتها لتزكية السلطة المركزية. وقد أطلق على هذا الإجراء بالمصادقة، و قد تكون صريحة أو ضمنية وفق ما ينص عليه القانون.
ونكون أمام مصادقة صريحة عندما تلجأ السلطة المركزية أو جهة الوصاية إلى إصدار قرار تفصح فيه صراحة عن تزكيتها لقرار صادر عن الجهة التابعة لها وصائيا. أما المصادقة الضمنية فتكون عندما تلتزم سلطة الإشراف الصمت إزاء العمل أو القرار المعروض عليها. هذا وقد اعتبرت المحكمة العليا في الجزائر أن للقرار الضمني نفس آثار القرار الصحيح.[26]

الإلغاء: إنّ مقتضيات النظام اللامركزي تفرض على سلطة الإشراف إبطال القرارات غير المشروعة الصادرة عن الهيئات المحلية. وحتى لا يحدث الاصطدام بين الجهاز المركزي و الجهاز المحلي عادة ما نجد القانون يتدخل لحصر حالات معينة يتمكن بموجبها الجهاز المركزي من إلغاء قرارات تم اتخاذها على المستوى المحلي وكانت مشوبة بعيب في المشروعية.

الحلول:  إنّ سلطة الوصاية لا تمارس رقابتها فقط على الأعمال الإيجابية التي تصدر عن الهيئة المستقلة المحلية، ولكنّها تراقب أيضا الأعمال السلبية لهذه الهيئات عندما تبادر إلى القيام ببعض واجباتها التي فرضت عليها قانونا.وقد أصطلح على تسمية هذا العمل القانوني بالحلولويقصد به حلول السلطة المركزية أو سلطة الوصاية محل السلطة اللامركزية في اتخاذ القرارات التي تؤمن وتضمن سير المصالح العامة.[27]
ويتضح من خلال هذا التعريف أن الحلول يعد إجراءا خطيرا لذا وجب أن يقيد هو الآخر من حيث الاختصاص و الإجراءات ومن حيث الموضوع. والحكمة من إقرار هذا الإجراء تكمن في التوفيق بين المصالح المحلية التي فرضت الاعتراف بالشخصية المعنوية للسلطات اللامركزية و بين فكرة المصلحة العامة التي يجب أن تبقى بمعزل عن الخلافات المحلية.  كما يجب تأمين المصالح المحلية ضد كل تقاعس قد يحدث من جانب السلطات المحلية خاصة إذا تعلّق الأمر بمسائل تمس النظام والأمن العموميين. لذا وجب على السلطة الوصية أن تتخذ من الإجراءات ما يضمن أداء عمل معين رعاية للمصلحة العامة و هذا تحت عنوان الحلول ضمن الأشكال التي حددها القانون.

صور اللامركزية الإدارية:
إذا كانت اللامركزية الإدارية تعني توزيع الاختصاص بين السلطة المركزية والهيئات المستقلة المحلية و المصلحية، فإنها على هذا النحو تتخذ صورتين اللامركزية و الإقليمية و اللامركزية المرفقية أو المصلحية.

أ- اللامركزية الإقليمية: و تتجلى في استقلال جزء من إقليم الدولة في تسيير شؤونه المختلفة وإشباع حاجات أفراده. وقد دعت الضرورة إتباع هذا النوع من النظام الإداري بعد عجز السلطات المركزية على القيام بكل صغيرة وكبيرة في مختلف أجزاء الإقليم. وبعد أن ثبت أن لكل منطقة داخل الدولة مميزات خاصة الأمر الذي فرض الاعتراف بالشخصية المعنوية لهيئات محلية. 

ب- اللامركزية المرفقية:  و تتجسد في انفصال مرفق معين عن الدولة وتمتعه بقدر من الاستقلال ليشكل مؤسسة عامة وطنية أو محلية. وسنتولى دراسة هذه الصورة من اللامركزية في الفصل الثالث تحت عنوان المرافق العامة.

تقدير اللامركزية الإدارية:
 إنّ الحديث عن تقدير نظام اللامركزية الإدارية يدفعنا للتركيز عن مزاياه وعيوبه.

مزايا اللامركزية: 
يمكن حصر مزايا اللامركزية في مجالات ثلاث:

1من الناحية الاجتماعية: يترتب على النظام اللامركزي من الناحية الاجتماعية ظهور نوع من التضامن و التعاون فيما بين أفراد الجماعة الواحدة فتتظافر جهودهم من أجل بلوغ هدف واحد منشود. فالمجالس المنتخبة على المستوى المحلي تضم أشخاصا يقيمون في مكان واحد و يحملون مؤهلات مختلفة وينتمون ربما إلى طبقات و تمثيلات سياسية مختلفة ورغم هذا جهدهم اتحد من أجل التنمية المحلية.[28]

2- من الناحية السياسيةيكرس النظام اللامركزي مبدأ الديمقراطية بتمكين الشعب من تسيير شؤونه بنفسه عن طريق ممثليه في المجالس المحلية المنتخبة. فاللامركزية أداة فعالة لتجسيد فكرة الديمقراطية. بل هناك من قال إنّ الديمقراطية من الناحية السياسية تظل نظاما أجوفا إذا لم تلازمها ديمقراطية إدارية. و الحقيقة أنّ هناك من اعتبر هذه الميزة عيبا فقيل أن اللامركزية تتيح استقلالية للوحدات الإدارية المختلفة وهو ما من شأنه أن يشكل خطرا على وحدة الدولة و تماسكها.[29]
و الذي لا ريب فيه أن هذه الانتقادات تفقد معناها إذا طبق النظام اللامركزي على أفضل صورة ووجه. فما كانت اللامركزية يوما خطرا على الدولة لأن المقصود بها هو الاعتراف للوحدات الإدارية بالاستقلال الإداري وليس بالاستقلال السياسي. فتظل وبوجود النظام اللامركزي الهيئة المستقلة خاضعة لقوانين الدولة، وتنظيماتها المختلفة، ولا علاقة للإدارة المحلية بالشؤون السياسية و النشاط التشريعي، ولا علاقة لها بالسلطة القضائية و عملها. فأين إذن تكمن خطورتها؟ ثم إنّه ما يقلل من هذه المخاوف أن استقلال الهيئات المحلية ليس استقلالا تاما مطلقا بل تظل تابعة للجهاز المركزي في مسائل حددها القانون.
ومن الناحية السياسية يشفع للنظام اللامركزي أنّه الأقوى على تحمّل ومواجهة الأزمات ذلك أنه ثبت بالتجربة في أوقات الحرب، وعند اعتماد النظام المركزي، أنّ احتلال العاصمة وحده كاف للتأثير على بقية أجزاء الإقليم.
وعلى خلاف الوضع و عند اعتماد و تطبيق اللامركزية الإدارية، فإنّ كل جزء من الإقليم، يتمكن من الإشراف على تسيير شؤونه المحلية بمعزل عن العاصمة وذلك بحكم استقلالية التسيير التي تعود عليها أهالي المنطقة.[30]

3- من الناحية الإدارية: يضمن النظام اللامركزي تطبيق مبدأ تقريب الإدارة من الجمهور كما يكفل تبسيط الإجراءات بحكم إمكانية البت في كثير من القرارات على مستوى المحلي (الولاية أو البلدية). وعلى هذا النحو فاللامركزية تعني التخفيف من أعباء السلطة المركزية.[31]
وإذا كان قد قيل عن اللامركزية أنها تعني المرونة و الحركة و النشاط والمشاركة في اتخاذ القرار. فالمركزية تحصر سائر أوجه النشاط في العاصمة سواء الشؤون الاجتماعية أو الثقافية أو الاقتصادية وغيرها وتخول للإدارة المركزية أمر الفصل فيها دون الأخذ بعين الاعتبار المعطيات المحلية، فضلا عما ستأخذه عملية الفصل من زمن طويل. وكل هذه المساوئ يتمّ القضاء عليها بتطبيق النظام اللامركزي أين تتحول سلطة القرار من المستوى المركزي إلى المستوى المحلي  وأين يتم التخفيف من حدة الإجراءات.
ومن الناحية الإدارية يكفل النظام اللامركزي للمنتخبين فرصة للتدريب على العمل الإداري و المشاركة في دراسة الشؤون المحلية واتخاذ القرار و يمكن هؤلاء من الارتقاء لمهام القيادة الإدارية.

عيوب النظام اللامركزي:
يمكن حصر الانتقادات الموجهة للنظام اللامركزي في جوانب ثلاث.
1- من الناحية السياسية: إذا كان النظام اللامركزي على النحو السابق شرحه يكفل وحدة الدولة و يضمن نفوذ و هيمنة السلطة المركزية. فقد عاب البعض عن النظام اللامركزي أنه يؤدي إلى المساس بوحدة الدولة من جراء توزيع الوظائف و الاعتراف باستقلالية بعض أجزاء الإقليم عن الدولة و تمتعها بالشخصية المعنوية.[32]
غير أن هذه الاستقلالية كما رأينا لا تعطي للهيئة المحلية المستقلة حق الانفصال عن الدولة و تعترف لها بسلطة التشريع مثلا، بل تظل تابعة للدولة الأم في كثير من المسائل و لا تستطيع فقط إلا أن تدير شؤون الإقليم و الحاجات المحلية تاركة المسائل الوطنية للسلطات المركزية.
ويجب أن لا يغيب عن بالنا أيضا أن الموارد المالية للهيئات المحلية تعتمدها وتمنحها السلطة المركزية. ومن ثمّ فإنّنا نرى أن هذه الاستقلالية لا يمكن أن تشكل أي خطر من الناحية السياسية.

2- من الناحية الإدارية: عاب بعض الفقهاء على النظام اللامركزي كونه يؤدي إلى ظاهرة عدم التجانس في القيام بالعمل الإداري وذلك بسبب لجوء ممثلي الإدارة المحلية خاصة المنتخبين منهم إلى تفضيل الشؤون المحلية على الوطنية.[33]
وإذا كنا مقتنعين من أن النظام المركزي يكفل عدالة أكثر من الناحية الإدارية، و يضمن تجانسا للعمل الإداري بحكم وحدة الجهة المختصة بالفصل في الملفات وإصدار القرار، وبحكم وحدة التصور و المنهج و الإجراءات، فإن ذلك لا يعني العمل بالنظام المركزي تحت هذه الحجج الإدارية، بل إن هذه العدالة التي تسعى النظم القانونية إلى تحقيقها يمكن توفيرها عن طريق وضوح التشريعات عامة و التشريعات المتعلقة بالإدارة المحلية خاصة. كما يمكن تحقيقها بتفعيل أجهزة الرقابة و منها الرقابة الوصائية، وكذلك عقد لقاءات بين الفترة و الأخرى تضم المنتخبين المحليين لتكون بمثابة فرصة و منبر لطرح بعض الحلول بهدف ضمان التجانس في أداء العمل الإداري بين الهيئات المحلية المستقلة ودرء مخاطر الاختلاف و انعكاساته.


3-من الناحية المالية: لعلّ أهم نقد وجه للنظام اللامركزي أن تطبيقه في الوسط الإداري ينجم عنه ظاهرة تبديد النفقات العامة، ذلك أنّ الاعتراف للأجهزة المحلية و المرافق العامة على اختلاف أنواعها بالاستقلال المالي سيتبعه دون شك تحمل الخزينة العامة لمبالغ ضخمة سنويا و نفقات كثيرة.
ولقد مرّ بنا مقولة شارل بران من أنّ: " النظام المركزي يؤدي إلى اقتصاد في النفقات..." وذلك بحكم التقليل من عدد الآمرين بالصرف و هم ممثلي السلطة المركزية، إذ أنّ استقلالية الإقليم من الناحية القانونية وكذلك استقلالية المرفق تفرض الاعتراف له بذمة مالية مستقلة من الناحية القانونية عن الدولة كما سبق البيان. وهو ما ينقل في النهاية سلطة الأمر بالصرف من علو درجة الهرم إلى مستويات أخرى كثيرة (ولاية، بلدية، مؤسسة) و يفترض أن ينجم عن تعدد الآمرين بالصرف ظاهرة سلبية هي المبالغة أو الإفراط  في صرف النفقات العامة وهو ما سجلناه عمليا على مستوى الكثير من الإدارات.
وباعتقادنا يمكن التقليل من حدة هذه المخاطر بتحريك أدوات الرقابة.[34] سواء تلك التي تمارسها سلطة الوصاية أو الأجهزة المختصة ذات الطابع المالي كمجلس المحاسبة عندنا في الجزائر، كما ينبغي من وجهة نظرنا الإكثار من النصوص و اللقاءات الداعية إلى كيفية استغلال الموارد المالية أحسن استغلال.


EmoticonEmoticon