الخميس، 26 نوفمبر 2015

الجمع بين المركزية و اللامركزية

المبحث الثالث: الجمع بين المركزية و اللامركزية.


لعلّه اتضح الآن أنه من الصعب تفضيل أحد النظامين على الآخر لما لهما من مزايا و عيوب سبق الوقوف عندها. وهذا الأمر لا شك يجعلنا أمام حقيقة لا مفر منها أنه ينبغي اعتماد كلا النظامين و هو ما ذهب إليه غالبية الفقهاء.


غير أنه ونظرا لما عرفه النظام اللامركزي من صعوبات ذهب البعض إلى القول أنه ينبغي توسيع الهيئات المركزية. ولقد ظهر هذا الرأي بمناسبة أحد ملتقيات الإتحاد الدولي للسلطات المحلية حيث ذهب التقرير إلى القول " أنّ هناك اتجاهات متزايدة في العديد من الدول هدفها تحقيق العودة إلى النظام المركزي وتوجد أدلّة أن بعض المسؤوليات قد نقلت فعلا الى السلطات المركزية. وينتهي التقرير إلى أنّ نظام الحكم المحلي يواجه بعض الصعوبات.[35] "
وتركّز هذا الرأي كثيرا في بعض الدول النامية التي سعت إلى الإنقاص من صلاحيات الوحدات الإدارية بشكل أو بآخر خاصة عن طريق الاعتمادات المالية مما أفقد في النهاية الإدارة المحلية ثقة الجمهور. ونتيجة ذلك ظهر الاتجاه الّذي ينادي بإلغاء اللامركزية و الإعراض عنها لما لها من مساوئ و استبدالها بنظام إداري يلائم هذه الدول وهو نظام المركزية في صورة عدم التركيز الإداري.
و الحقيقة أنّ الصعوبات الّتي يواجهها النظام اللامركزي في الدول النامية خاصة، لا ترتقي إلى درجة الاستغناء عنه أيا كانت عيوبه من الناحية العملية، بل ينبغي تدعيمه و محاولة التقليل من مساوئه.
وما يجعلنا نتمسك بالنظام اللامركزي و ندعو إلى الإبقاء عنه و تطبيقه وتطويره هو الدور المتنوع للدولة. فالعوامل الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية دفعت الدولة المعاصرة إلى التدخل واستعملت الإدارة كهيكل لتنفيذ سائر برامجها.[36]
وإن اتساع وظائف الدولة نتج عنه اعتماد اللامركزية كأسلوب إداري من أجل توفير الخدمات للجمهور بأبسط الإجراءات، وتقريب الإدارة من المواطن، وتمكين الشعب من تسيير شؤونه بنفسه على الصعيد المحلي ومن ثم اتخاذ القرار المناسب في مدة معقولة.
ونعتقد أنّ أسلوب عدم التركيز الإداري وإن كان يشكل صورة متطورة للنظام المركزي، و يحتوي على مزايا كثيرة، إلاّ أنّه لا يمكن أن يحل محل النظام اللامركزي لأن ممثل السلطة المركزية على مستوى الإقليم لا يملك البت في مسائل معينة تخص الشؤون المحلية، بل ينبغي عليه اللجوء للسلطة المركزية وهو ما يوقعنا في مساوئ النظام المركزي السابق الإشارة إليه.
وينبغي أن لا نفهم ذلك كله أننا ندعو إلى الإعراض نهائيا عن تطبيق المركزية الإدارية، بل عكس ذلك نحن ندعو لتطبيقها في ميادين معيّنة كالأمن و الدفاع  و المالية و الاتصالات. ولأن الإفراط و المبالغة في تطبيقها خاصة في الصورة الأولى (المركزية المطلقة) أمر يغرق القادة الإداريين في مسائل دقيقة وتفصيلية مما يشغلهم عن قضايا أهم. ولقد ثبت من خلال دراسات إدارية أن اللامركزية وإن كانت تقلّل من التخطيط و الضبط المركزي فالقائد الإداري يشبه دوره دور سائق السيارة الذي له أن يقودها متى شاء في الطريق وبالكيفية التي يراها مناسبة له طالما ظل ملتزما بالحدود التي فرضتها أنظمة المرور.[37] و من ثم فإنّنا ندعو إلى الجمع بين النظامين بما يتماشى وظروف كل دولة ومستوى وعي أفرادها.
    











[1]    - الدكتور سليمان محمد الطماوي، مبادئ القانون الإداري،دار الفكر العربي،1986 ص 93.
- الدكتور عبد الغني بسيوني عبد الله، القانون الإداري،منشأة المعارف، الإسكندرية ص.117
- الدكتور أحمد  محيو، محاضرات في المؤسسات الإدارية، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، ص 105.
- الدكتور ثروت بدوي، القانون الإداري دار النهضة،القاهرة،2002 ص 316.

[2]   الدكتور  عمار عوابدي، مبدأ تدرج فكرة السلطة الرئاسة، الجزائر، المؤسسة الوطنية للكتاب 1984، ص 216.
- الدكتور توفيق بوعشه، مبادىء القانون الإداري التونسي،تونس مركز البحوث والدراسات الإدارية،1990 ص 37.
[3]   الدكتور عمار عوابدي، مبدأ تدرج فكرة السلطة الرئاسية ص415.
[4]   الدكتور ثروت بدوي المرجع السابق، ص 334.

[5]   الدكتور عمار عوابدي، مبدأ تدرج فكرة السلطة الرئاسية،  ص 449.
[6]   أشار لهذا  الحكم الدكتور ثروت بدوي المرجع السابق، ص 336.
[7]   الدكتور عمار عوابدي، مبدأ تدرج فكرة السلطة الرئاسية، ص 442.

[8]   اعتبرت المحكمة العليا في قرار لها صدر بتاريخ 05/11/1988 (الغرفة الإدارية) إنّ إلغاء القرارات الإدارية يجب أن يراعي فيها حقوق مكتسبة و كل قرار لا يراعي فيه هذه الضمانة يشكل صورة من صور تجاوز السلطة أنظر " المجلة القضائية "/ العدد الرابع/ 1991 ص 220.
[9]  هذا ما أكدته المحكمة العليا (الغرفة الإدارية) في قرار لها صدر بتاريخ 10/02/1988 بقولها: من المبادئ المستقر عليها في القضاء الإداري أنه لا يجوز سحب القرار الإداري إلا إذا كان غير قانوني المجلة القضائية. 
[10]  الدكتور  سليمان محمد الطماوي، مبادئ القانون الإداري، ص 112.
وأنظر:       Andre de laubadére, jean claude venizia yves gaudemet traite de droit Administratif Tome 1 Dalloz P 375
[11]   الدكتور خالد قباني، اللامركزية و مسألة تطبيقها في لبنان، نشر مشترك بيروت باريس منشورات البحر المتوسط و منشورات عويدات 1981، ص 47.
[12]  علي زغدود، الإدارة المركزية في الجمهورية الجزائرية، الجزائر، الشركة الوطنية للنشر و التوزيع، 1984، ص 11.
[13]  الدكتور سليمان محمد الطماوي، مبادئ القانون الإداري، ص 115.
[14]  الدكتور عمار بوضياف، الوجيز في القانون الإداري، جسور للنشر والتوزيع،الجزائر،2008،ص170.
[15]  الدكتور خالد قباني، اللامركزية المرجع السابق، ص 52.
الدكتور عمار بوضياف،المرجع السابق،ص172
[16]  الدكتور أحمد رشيد، مقدمة في الإدارة المحلية، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1975، ص36.
[17]  الدكتور محمود عاطف البنا، الوسيط في القانون الإداري،دار الفكر،القاهرة1984، ص 117.
الدكتور خالد قباني، المرجع السابق، ص 78.
[18].Maurice Hauriou Précis de Droit Administratif Paris 1937 P49
[19]  الدكتور خالد قباني، المرجع السابق، ص 81.
[20]  الدكتور خالد قباني، المرجع السابق، ص 94.
[21]  اعترض البعض على إطلاق تعبير الوصاية الإدارية على هذا النوع من الرقابة لأنه ينتج عن استخدامه التباسا بينها و بين مفهوم الوصاية في القانون المدني لذلك استعمل الدستور الفرنسي لسنة 1946 وسنة 1958 عبارة الرقابة  الإدارية.
[22]  جاء في المادة 93  من قانون الأسرة أنه يشترط في الوصي أن يكون مسلما عاقلا بالغا قادرا أمينا حسن التصرف و للقاضي عز له إذا لم تتوفر فيه الشروط المذكورة.
[23]  جاء في المادة 81 من قانون الأسرة " من كان فاقد الأهلية أو ناقصها لصغر السن أو جنون أو عته أو سفه ينوب عنه قانونا ولي أو وصي أو مقدم طبقا لأحكام هذا القانون.

[24]  الدكتور خالد قباني، المرجع السابق، ص 96.
[25]  الدكتور خالد قباني، المرجع نفسه، ص 100.
[26]  قرار المحكمة العليا (الغرفة الإدارية) بتاريخ  1983.01.08  المجلة القضائية العدد الرابع، 1989، ص 207.
[27]  الدكتور خالد قباني، المرجع السابق، ص 105.
[28]  الدكتور خالد قباني، المرجع السابق، ص 110.الدكتور عمار بوضياف،المرجع السابق،ص185
[29]  الدكتور خالد قباني، المرجع السابق، ص 110.                                                        
[30]  حسين مصطفى حسين، الإدارة المحلية المقارنة، الجزائر ديوان المطبوعات الجامعية، 1982، ص 33. 
[31]  الدكتور جعفر أنس قاسم، أسس التنظيم الإداري و الإدارة و المحلية، ديوان المطبوعات الجامعية، 1978 ص23.
[32]  الدكنور  خالد قباني، المرجع السابق، ص 110.
الدكتور جعفر أنس قاسم، أسس التنظيم الإداري، ص 26.
[33]  الدكتور خالد قباني، المرجع نفسه 108.
الدكتور جعفر أنس قاسم، أسس التنظيم الإداري، ص 26.
[34]  وعلى حد قول البعض: " إنّ الإنسان الذي يحسن القيام بواجبه دون رقيب ويتصرف في العمل كما ينبغي أن يكون بوازع من ضميره أصبح الآن نادرا بين الناس " د/ ماجد راغب الحلو، المرجع السابق، ص 11.
[35]  د/ محمد أنس قاسم ديمقراطية الإدارة المحلية، ص 39.                                                 
[36]  لقد لازم تدخل الدولة في المجال الاقتصادي والاجتماعي  نشوء حقوق اجتماعية واقتصادية  للأفراد كحق العمل و حق المعونة في حالة العجز و الشيخوخة وغيرها.                      
[37]  د/ ابراهيم عباس نتو وهنري البرز، المفاهيم الأساسية في علم الإدارة،ديوان المطبوعات الجامعية،الجزائر،1881، ص 118.


EmoticonEmoticon