الخميس، 21 يناير 2016

علاقة العمل الفردية

الفصل الثاني علاقة العمل الفردية
   العقد هو الإطار القانوني الذي يتم ضمنه تبادل الطرفين في علاقة العمل لالتزاماتهما، استنادا إلى مبدأ حرية التعاقد، و هذا ما يجعل عقد العمل خاضعا لأحكام العقد عموما، حتى و إن ظهرت بعض الخصوصيات استدعت أحكاما يتميز بها عقد العمل عن غيره من العقود، لاسيما و أن مجال الحرية التعاقدية فيه غير مطلق بالنظر لتدخل المشرع لأجل تنظيم و توجيه إرادة الأطراف متى كان هذا التدخل مبررا بحماية العامل باعتباره الطرف الضعيف في العقد.
المبحث الأول: ماهية عقد العمل:   يقتضي التطرق لماهية عقد العمل بيان تعريفه، ثم عناصره، و أخيرا شروط صحته.
  المطلب الأول: التعريف بعقد العمل:    لم يهتم المشرع الجزائري بتعريف عقد العمل على اعتبار عدم اختصاص القانون بصياغتها بل الفقه، الذي اتجه في هذا الصدد على الغالب إلى تبني تعاريف تأخذ بعين الاعتبار العناصر المشكلة لعقد العمل، فعرف على هذا الأساس بأنه العقد الذي يلتزم العامل ببذل جهده لمصلحة رب العمل، و تحت إشرافه و توجيهه، مقابل التزام هذا الأخير على تمكينه من الأجر.
     يتشكل عقد العمل وفقا للتعريف السابق باجتماع جملة من العناصر تجعله متميزا عن غيره من العقود المشابهة لاسيما عقد المقاولة، باعتباره واحد من العقود الواردة على العمل، إلى أن ما يتميز به عقد العمل عن عقد المقاولة هو استقلالية المدين بالعمل المقاول- في أداء العمل عن صاحب المشروع، بحيث لا يكون خاضعا عند تنفيذ العقد لأوامره و توجيهاته، كما يتميز عقد العمل عن عقد المقاولة في كون مقتضى هذا الأخير الالتزام تحقيق النتيجة التي يتضمنها العقد، مثل إقامة منشأة، أما بالنسبة للعامل فلا يعدو أن يكون التزاما ببذل عناية مقتضاها بذل الجهد دون أن يكون مسؤولا عن تحقيق نتائج بعينها، على اعتبار أن هذه النتائج مرتبطة بالأساس بتوجيهات و أوامر رب العمل.
المطلب الثاني: عناصر عقد العمل:     نستخلص من التعريف السابق لعقد العمل أنه يتشكل من اجتماع ثلاث عناصر تمثل جوهر العقد، و يمكن حصر هذه العناصر في ما يلي:
الفرع الأول: عنصر العمل    
      يتمثل في الجهد الذي يكون العامل ملزما ببذله لمصلحة رب العمل، بما يستجيب لتوجيهات هذا الأخير و أهدافه، و يستوي في ذلك أن يكون هذا المجهود بدنيا أو فكريا، كما أن هذا العنصر يختلف عن عنصر العمل الذي قد تتضمنه بعض العقود المشابهة بالنظر لما يميزه بالنسبة لعقد العمل، و نخص في ذلك بالذكر:
1-    شخصية عنصر العمل:إن قوام العلاقة القائمة بين رب العمل و العامل هو الاعتبار الشخصي الذي يكون دافعا لتحديد مدى إبداء الطرفين رغبتهما في إبرام العقد، على الأخص بالنسبة لرب العمل، حيث تكون شخصية العامل و صفاته و مؤهلاته جوهرية في العقد، و هذا ما يجعل من تنفيذ العمل مقتصرا على العامل دون غيره، بحيث لا يمكنه تكليف الغير بأدائه سواء أداء كليا أو جزئيا، على خلاف الوضع بالنسبة لعقد المقاولة، حيث يكون الغرض من التعاقد تحقيق نتيجة يمكن للمقاول أن يعهد لغيره في تحقيقها، و تأكيدا لذلك ألزم المشرع الجزائري بمقتضى نص المادة 7 من قانون 90/11 العمال بأن "يؤدوا و بأقصى ما لديهم من قدرات، الواجبات المرتبطة بمنصب عملهم، و يعملون بعناية و مواظبة في إطار تنظيم العمل الذي يضعه المستخدم" كما يتأكد هذا الاتجاه في ما ذهب إليه المشرع المدني الجزائري من أنه: "في الالتزام بعمل إذا نص الاتفاق أو استوجب طبيعة الدين أن ينفذ المدين الالتزام بنفسه، جاز للدائن أن يرفض الوفاء من غير المدين." 
2-    الخضوع لتوجيهات و أوامر رب العمل:
يبرر اقتصار مسؤولية العامل في بذل العناية دون أن يتعداه إلى تحقيق النتائج الذي يحددها رب العمل في أن هذا الأخير هو من يحوز سلطة توجيه العامل إلى كيفيات تنفيذ العمل من خلال سلطة الإشراف و الرقابة المقررة لمصلحته، و هي السلطة التي تظهر من خلال تمكينه من إصدار النظام الداخلي بما يتضمنه من أحكام تأديبية و فنية.
3-    توفير ظروف العمل اللازمة:بما يحمله هذا العنصر من دلالة على انحصار التزام العامل ببذل الجهد، على خلاف الأمر بالنسبة لعقد المقاولة، حيث يقع التزام المقاول بتوفير وسائل العمل التي تتلاءم و طبيعة التزامه بمقتضى  عقد المقاولة.
    الفرع الثاني: عنصر الأجر:و هو المقابل المالي لالتزام العامل ببذل الجهد، و الموقع على ذمة رب العمل بمقتضى العقد، و يشتمل على عنصرين، أحدهما ثابت و يسمى أجر المنصب، أو الأجر القاعدي، و الآخر متغير، و يتضمن المبالغ المدفوعة للعامل في شكل منح و تعويضات، و يحدد الأجر بالتفاوض الفردي فيما بين العامل و رب العمل، أو من خلال التفاوض الجماعي، حيث يقرر في هذه الحالة بمقتضى الاتفاقية الجماعية التي تتبعها المؤسسة المستخدمة، و في هذا ترجمة لمبدأي الحرية التعاقدية و التفاوض الجماعي الذين اعتمدهما المشرع في مجال علاقات العمل بعد التعديلات التي أحدثها في هذا الخصوص سنة 1990.
   الفرع الثالث: عنصر التبعيةيقصد بها سلطة رب العمل في الإشراف على العامل، و توجيه الأوامر باعتبارها مظهرا من مظاهر السلطة الممنوحة قانونا لرب العمل في إطار علاقة العمل، و يذهب الفقه في تبرير عنصر التبعية ثلاث مذاهب رئيسة:
  1-التبرير الاقتصادي لعنصر التبعية:
   مؤداه أن العامل مرتبط معيشيا بالأجر، بما يجعله مجبرا على الاستجابة لأوامر رب العمل المحتكر لجهد العامل خلال المدة التي تستغرقها علاقة.
2-التبرير القانوني لعنصر التبعية:     يعتمد هذا الموقف في تبرير التبعية في ما يمنحه القانون صراحة من صلاحيات إدارة المنشأة المشغلة، بما يتطلبه ذلك من سلطة توقيع الجزاءات المترتبة عن الأخطاء التي يمكن للعامل أن يقترفها أثناء سريان علاقة العمل، ضمانا للسير الحسن للعمل، و هو مل يبرر به تمكين رب العمل من إصدار وثيقة النظام الداخلي، و التقسيم العضوي و الفني للعمل داخل المنشأة المستخدمة.
3-التبرير المختلط لعنصر التبعية:     يأخذ هذا الرأي موقفا متوازنا بين الموقفين السابقين، بحيث يبرر عنصر التبعية بالحاجة الاقتصادية التي تدفع العامل إلى قبوله الخضوع لتوجيهات و أوامر رب العامل، غير أن هذا الرأي ليس كافيا وحده، إذ ينبغي أن يجتمع بالتبرير القانوني على اعتبار أن القانون يدعم المركز الممتاز لرب العمل من خلال تمكينه من صلاحية الإشراف و التوجيه لأجل تحقيق الأهداف الاقتصادية للمنشاة، بل أن الغالب أن مرد هذه السلطة هو القانون و ليس الحاجة الاقتصادية، على اعتبار أن الوضعية الاجتماعية للعمال ليست متشابهة، على الرغم من ذلك فإنهم ملزمون قانونا بالخضوع لتلك الأوامر بالقدر و الكيفية ذاتها.
   المطلب الثالث: شروط صحة عقد العمل:تتمثل على الخصوص في الشروط العامة المستوجبة لصحة العقود عموما، و عليه يمكن أن نميز بصددها بين:
     الفرع الأول: الأهلية:نميز في ذلك بين أهلية العامل ثم أهلية رب العمل.
1-   أهلية العاملأثرت الاعتبارات الاجتماعية في تمييز الأهلية بالنسبة للعامل بأحكام خاصة، حيث مكن المشرع العامل القاصر من إبرام عقود العامل على شرط الترخيص له من قبل وليه الشرعي متى بلغ 16 سنة (المادة 15 ف1 قانون 90/11)، كما أن ما يميز عقد العمل بالنسبة للقواعد العامة أن الأهلية على الرغم من اعتبارها مسألة من مسائل النظام العام يفترض أن يلحق التصرف الذي لا يحترمها البطلان،  إلى أنه بالنسبة لعقد العمل ما ينجم عن عدم أهلية العامل هو بطلان من نوع خاص يتقرر بالنسبة للمستقبل، و على هذا الأساس فإن الأجور التي يكون العامل غير المؤهل قد استحقها نتيجة وضعية العمل الفعلي التي ربطته برب العامل تظل تحظى بالحماية القانونية على الرغم من بطلان التصرف على خلاف القواعد العامة.
2-   أهلية رب العملينبغي في هذا الصدد التمييز بين رب العمل في الوضع الذي يكون شخصا طبيعيا، ثم في الوضع الذي يكون فيه شخصا معنويا.
أ‌-    رب العمل شخص طبيعي:يشترط لرب العمل في هذه الحالة أهلية أداء كاملة على اعتبار أن عقد العمل هو من العقود الدائرة بين النفع و الضرر.
ب‌رب العمل شخص معنوي:تتحقق في هذه الحالة أهلية الشخص المعنوي بالنظر للاختصاص حسبما هو مقرر في الأنظمة الداخلية و التقسيم العضوي للمهام داخل المنشأة الذي يحيل على جهة ما داخل المنشأة صلاحية إبرام عقود العمل، مثل أن يكون مدير الموظفين، أو مدير المنشأة
   الفرع الثاني: الرضاء في عقد العمل:يعد عقد العمل في الأصل من العقود الرضائية التي تنعقد بمجرد تطابق الإيجاب و القبول، دون أن يشترط لتمامه شكلا معينا، إلى أنه بالنسبة للعقود المحددة المدة يشترط المشرع أن يتم تحديد المدة كتابة، و ذلك تحت طائلة تحول العقد من عقد محدد المدة إلى عقد غير محدد المدة، مع ما يستتبعه ذلك من آثار لاسيما المالية منها.
   الفرع الثالث: المحل و السبب في عقد العمل:تنطبق بالنسبة لعقد العمل الشروط العامة للعقود فيما يتعلق بالمحل و السبب، كما أن اعتباره من العقود التبادلية الملزمة للجانبين يجعل من محل التزام أحد الطرفين سببا لالتزام الطرف الثاني، إذ أن الأجر الذي هو محل التزام رب العمل هو من جانب آخر سبب التزام العامل، كما أن الجهد الذي يعد محل التزام العامل هو ذاته سبب التزام رب العمل بدفع الأجر.
   المبحث الثاني: الطبيعة القانونية لعلاقة العمل:
  يمكن التمييز بصدد الطبيعة القانونية لعلاقة العمل بين نظريتين:تقليدية و حديثة:
   المطلب الأول: النظرية التقليدية:
   هي في الأساس نظرية رأسمالية تنظر إلى عنصر العمل باعتباره "سلعة" يمكن أن تكون محلا للتعاقد، و بالتالي إمكانية أن تكون محل إيجار، وفق ما يعرف بعقد إيجار الخدمات، و بناء على مبدأ الحرية التعاقدية، مما يبعد هذا النوع من العقود من مجال التدخل التنظيمي التي يمكن للدولة أن تمارسه. في مجال العلاقات القانونية.
   المطلب الثاني: النظرية الحديثة:و هي نظرية اجتماعية تستجيب أكثر للطابع الاجتماعي لعلاقة العمل، و لبعدها الإنساني، مما يفترض معه تدخل الدولة قانونيا لأجل ضمان تحقيق علاقات العمل عموما لأهدافها الاجتماعية،       و ضبط العلاقة الناشئة بين أرباب العمل من جهة، و العمال من جهة ثانية، و هو الأمر الذي يتجلى من خلال إقرار الكثير من النصوص التي تدعم مركز العمال في علاقة العمل، لاسيما تلك المتعلقة بالضمان الاجتماعي، شروط الصحة و الأمن داخل مقرات العمل، حظر تشغيل الأطفال و النساء في أعمال خطيرة إلى غيرها من الأحكام ذات البعد الاجتماعي.  نهأنه       



EmoticonEmoticon