الخميس، 21 يناير 2016

التنظيم القانوني لعلاقات العمل


الفصل الثالث التنظيم القانوني لعلاقات العمل:

   يتضمن هذا الفصل بالخصوص بيان مراحل انعقاد عقد العمل، ثم سريانها.
   المبحث الأول: انعقاد علاقة العمل:
   إن من بين ما يميز عقد العمل عن غيره من العقود المدنية الأخرى هو انعقاده على مرحلتين: التجريب ثم الترسيم.
   المطلب الأول: مرحلة التجريب:تعتبر مرحلة تمهيدية قبل تثبيت العامل في منصب عمله، إذ تسمح بأن يوضع خلالها العامل الجديد محل اختبار قصد التأكد من كفاءته و استعداده للقيام بالعمل الموكل إليه، و قد نظمت المادة من قانون 90/11 هذه المرحلة بالنص على إمكانية إخضاع العامل لفترة تجريب لا يجب أن تزيد عن ستة أشهر، إلى بالنسبة للمناصب ذات التأهيل العالي التي يمكن أن ترفع فيها هذه المدة إلى 12 شهرا، إلا أنه يمكن خفضها بمقتضى الاتفاقية الجماعية، حسب نص المادة 120 من قانون 90/11، كما تسمح فترة التجريب للعامل الاطلاع على ظروف العمل، و مدى ملاءمة المهام الموكلة له لمؤهلاته و استعداداته، و على هذا الأساس يمكن لأي من الطرفين، و خلال هذه المدة، التحلل من العقد دون أن تترتب على ذلك أية مسؤولية على عاتقه، أما إذا انقضت المدة دون أن يتمسك أحدهما بحقه في التحلل من العقد يتحول عندئذ إلى عقد بات.
   المطلب الثاني: فترة الترسيم:بمجرد انقضاء فترة التجريب دونما استعمال الطرفين حقهما في التحلل من العقد يصبح العقد نهائيا، بما يمكن العامل من التمتع بكب الحقوق المرتبطة بالترسيم، كعدم إمكان فصل العامل إلى وفق إجراءات خاصة، و الحق في الترقية.
   المبحث الثاني: سريان علاقة العمل:
  يعرف عقد العمل من حيث سريانه وضعيتين: العمل الفعلي، و الانقطاع.
   المطلب الأول: وضعية العمل الفعلي:و هي الوضعية الأصلية المترتبة عن علاقة العمل، حيث تفترض تواجد العامل في مقرات العمل و قيامه بالوظيفة المسندة إلية فعليا، على اعتبار أن حق العامل في اقتضاء الأجر مرهون بأداء العمل المتفق عليه، و ما ينجم عن وضعية الفعلي هي مجموعة الامتيازات المرتبطة حصرا بهذه الوضعية، من ذلك الحصول على المنح و التعويضات، و الحق في الترقية.
   المطلب الثاني: وضعية التوقف المؤقت عن العمل:قد تعلق علاقة العمل مؤقتا لاعتبارات قانونية دون أن يؤدي ذلك إلى قطعها، و ذلك في الحالات التالية:
   الفرع الأول: الاستيداع:يتحقق في الوضع الذي يتعذر فيه على العامل الاستمرار مؤقتا في تبادل التزاماته مع صاحب العمل لاعتبارات مختلفة، من أمثلتها اضطرار الزوجة لمرافقة زوجها بمناسبة انتقاله للعمل في مكان بعيد عن مكان مزاولتها لعملها،، و قد ورد النص على الاستيداع في المادة 64 و 8 من قانون 90/11 دون تعداد لحالاته، حيث يترك ذلك لتقدير رب العمل.
   الفرع الثاني: الانتداب:ينتقل العامل في هذه الحالة إلى مؤسسة أو هيئة أخرى لممارسة مهام قانوني أو انتخابية بشكل دائم، و لمدة محددة، و يتحقق الانتداب في الحالات التالية:
1-  ممارسة مهمة انتخابية:حيث ل ا يمكن في هذه الحالة التوفيق بين الالتزامات المهنية و الالتزامات الانتخابية، الأمر الذي يدفع إلى توقف العامل عن ممارسة مهنته مدة أداء المهمة الانتخابية، لاسيما بالنسبة للمهام الانتخابية الوطنية، مثل عضوية البرلمان، حيث يستفيد العامل من تفرغ كامل، و الأمر ذاته بالنسبة للمهام النقابية، و إن كان العامل لا يستفيد حينها إلا من عدد محدود من ساعات الانتداب (10 ساعات شهريا) إضافة إلى ساعات الاجتماعات الرسمية.
2-  أداء واجب الخدمة الوطنية:و هو انتداب بقوة القانون بالنسبة للعامل المرسم، بحيث يكون رب العمل ملزما بالحفاظ على منصب العام
إلى حين عودته من الخدمة الوطنية أو تجديدي التكوين العسكرية.
3-  متابعة فترة تكوين أو تربص:يمكن العامل المتابع لفترة تكوين أو تربص من فترات انتداب تستغرق الساعات التي يتطلبها التكوين، و يقع التمييز بين التربص القصير و التربص الطويل المدى، فبالنسبة للتربص القصير المدى و الذي يقل عن 6 أشهر فإن العامل يستفيد من انتداب جزئي حسبما تقره الاتفاقية الاجتماعية التي تنتمي لها المؤسسة، و هي على الغالب ساعتين يومي، أما بالنسبة للتكوين الطويل المدى الذي يفوق 6 أشهر فيستفيد العامل من انتداب كلي يستغرق كل ساعات العمل، على أن يفقد العامل الحق في الأجر.
   الفرع الثالث: حالة المرض الطويل و عطلة الأمومة:كلاهما عذر يحول دون تمكن العامل أو العاملة من العمل الفعلي، لاعتبارات مرتبطة بوضعهما الجسمي، و عليه فإن علاقة العمل تنقطع طوال المدة التي يتطلبها الشفاء التام بالنسبة للعامل المريض، أما بالنسبة لعطلة الأمومة فإن المرأة العاملة في هذه الحالة تستفيد من عطلة إجبارية قدرها 14 أسبوعا، على أن يبدأ سريانها كأقصى تقدير أسبوعا قبل التاريخ المفترض للوضع.
   الفرع الرابع: الإضراب:أقر الدستور الحق في الإضراب، و اعتبرته المادة 64 من قانون 90/11 أحد أشكال التوقف القانوني عن العمل، كما أقرته المادة 32 من القانون 90/02 المتعلق بالوقاية من النزاعات الجماعية في العمل.
   الفرع الخامس: التوقف التأديبي:هو جزاء تأديبي قد يوقعه رب العمل ضد العامل، وفق سلم الأخطاء و العقوبات المقررة في النظام الداخلي، و يترتب عن التوقيف حرمان العامل من العمل، و تبعا لذلك من الأجر.
   الفرع السادس: التوقيف الاحتياطييتقرر في حال التحقيق مع العامل بتهمة سالبة للحرية، بحيث يوقف عن العمل إلى حين نظر الجهات القضائية في الدعوى، حيث إما بالإدانة فيكون ذلك سببا لانقضاء علاقة العمل، أو بالبراءة حيث يعاود العامل حينها الرجوع لمنصب عمله.
   الفرع السادس: التوقف المؤقت للهيئة المستخدمة:و هي الحالة الوحيدة التي يعود سبب الانقطاع فيها عن العمل مرتبط بحالة المؤسسة، حيث تتوقف عن العمل لاعتبارات مختلفة، مثل أعطاب لحقت وسائل الإنتاج، أو تعرض المؤسسة لأخطار طبيعية، أو لصعوبات مالية تمر بها المؤسسة، أو في التموين بالمادة الأولية، بحيث يضطر رب العمل إلى غلق مقرات العمل حتى زوال سبب التوقف.
   المطلب الثالث: أحكام ظروف عقد العمل:
  تتضمن ظروف العمل الظروف و الجوانب التنظيمية التي تحكم علاقة العمل، و التي يمكن إجمالها فيما يلي:
   الفرع الأول: المدة القانونية للعمل:يقصد بها المدة اليومية أو الأسبوعية التي يكون خلالها العامل في وضعية تبعية لرب العمل، ملتزما بوضع جهده في خدمته، و قد تكفل المشرع الجزائري بتنظيمها و اعتبرها من النظام العام، و هي محددة بأربعين ساعة أسبوعيا يترك للمؤسسات المستخدمة صلاحية توزيعها على مدار الأسبوع حسب خصوصيات كل قطاع.
   الفرع الثاني: فترات الراحة و العطل القانونية و الخاصة:يمكن أن نبين في هذا الصدد:
1-الراحة الأسبوعية:حدد المشرع حدها الأدنى بأربع و عشرين ساعة متتالية أسبوعيا حسب المادة 33 من قانون 90/11 و تستحق في الأصل يوم الجمعة، مع إمكان تكييفها حسب خصوصيات كل قطاع بأن تمنح في يوم آخر.
2-العطل و الإجازات القانونية:المقصود بها إجازات العطل الوطنية و الوطنية المحددة قانونا و التي تكون مدفوعة الأجر مثل عيد الثورة و الاستقلال و عيد الثورة، و عيد الفطر و الأضحى، و كذلك بالنسبة للعطلة السنوية التي تستحق على أساسا يوم عطلة بالنسبة لكل يوم عمل.
3-العطل الخاصة:يتمكن العامل من الحصول فرديا على عطل خاصة في حالات معينة حددتها المادة 54 من قانون 90/11، إضافة إلى استحقاق عطلة خاصة بمناسبة أدائه الحج مرة واحدة خلال مساره المهني.
   المبحث الثاني: آثار عقد العمل:تتضمن آثار عقد العمل بيان حقوق و التزامات كلا الطرفين:
   المطلب الأول: حقوق و واجبات العامل:
1-حقوق العامل:تتمثل على الخصوص فيما يلي:
أ‌-    الحق في الأجر:هو المقابل المالي المحدد الذي يتفق عليه، و يدفع للعامل نقدا كلما حل أجل سداده، مقابل العمل المؤدى، فهو متلازم مع العمل وجودا و عدما مثلما يفهم من نص المادة 80 ق90/11، و هو يعنى بحماية قانونية صارمة بالنظر لطابعه الاجتماعي و المعيشي، حيث أقر له المشرع أفضلية في السداد قبل غيره من الديون، بما فيها ديون الخزينة العمومية وفق نص المادة 89.
ب‌الحق في التأمين و الحماية و الضمان الاجتماعي:تتقرر هذه الحقوق في ذمة رب العمل و الدولة، كما هو الحال عند تعرض العامل لحادث عمل، أو مرض مهني، أو حتى لأسباب غير مرتبطة بعلاقة العمل كما هو الحال بالنسبة للشيخوخة و المرض وفق أحكام الضمان الاجتماعي و التي تمتد لفروع العامل و أصوله المكفولين و لزوجه.
ت‌الحق في الراحة و العطل القانونية:أضحى الحق في العطل حقا مكفولا دستوريا حسب نص المادة 55/03 من الدستور.
ث‌التأمين على البطالة:استحدث المشرع هذا التأمين بمقتضى المرسوم التشريعي 94/11 بالنسبة للعمال الذين يفقدون مناصب عملهم لأسباب لا إرادية اقتصادية، و يتمثل في اكتتاب تأمين على البطالة لدى الصندوق الوطني للتأمين على البطالة.
ج‌الحق في التقاعد:هو حق شخصي ذو طابع مالي، يستفيد منه العامل الذي استوفى شروط استحقاقه، لاسيما دفع استحقاقات الضمان الاجتماعي خلال المدة التي تمكنه من الاستفادة من أداءات الصندوق، و هي مقدرة ب 32 سنة يستحق على إثرها العامل الحق في التقاعد على أساس نسبة 80 من المائة من متوسط الأجر المدفوع عن السنة الأخيرة من العمل، أو الثلاث سنوات الأخيرة منم العمل إذا كان ذلك أفضل للعامل،، و ينتقل الحق في التقاعد إلى من هم في كفالته من ذوي الحقوق، و هم الزوج، و الفروع، و الأصول المكفولين.
ح‌الحق في التكوين و الترقية المهنية:ألزم المشرع رب العمل بمباشرة أعمال التكوين لمصلحة الأجراء و تحسين مستواهم حسب المادة 57 من قانون90/11، و ألزم العمال في ذات الوقت بمتابعة دورات التكوين التي ينظمها رب العمل.
خ‌الحق في ممارسة النشاط النقابي:مكن الدستور الجزائري العمال من الحق في الممارسة النقابية من خلال السماح بتأسيسي نقابات مستقلة عن الاتحاد العام للعمال الجزائريين، بعد أن كان مفهوم الممارسة النقابية في ظل النصوص السابقة يقتصر على حق الانضمام لهذه النقابة، و أقر بالنسبة للنقابيين إجراءات حمائية خاصة، تتمثل على الخصوص في حظر الإجراءات العقابية التي تتخذ ضد النقابيين بمناسبة ممارستهم لمهامهم.
2-التزامات العمال:يرتب عقد العمل على عاتق العامل الالتزامات التالية:
أ‌-    الالتزام بتنفيذ العمل المحدد في العقد:أقرت المادة 7 من قانون 90/11 هذا الالتزام باعتباره التزاما أساسيا مرتبا على عاتق العامل بمقتضى العقد، كما أن الإخلال به بدون عذر مقبول يمكن اعتباره خطا مهنيا جسيما قد تسريحه تأديبيا بدون الحق في التعويض وفق نص المادة 73 من القانون 90/11.
ب‌-الالتزام بتوجيهات صاحب العمل:من الواجبات الأساسية المترتبة على عاتق العامل و المستندة إلى عنصر التبعية و سلطة رب العمل في الإشراف و الرقابة، سواء قدمت هذه التوجيهات مباشرة أو بشكل غير مباشر، لاسيما بمقتضى التقسيم العضوي للمهام.
ت‌-الالتزام بالسر المهني:  يعتبر خرق هذا الالتزام بالحالات التي يمكن أن تبرر التسريح الذي يتعرض له العامل دون الحق في التعويض، على اعتبار أنه من الأخطاء المهنية الجسيمة حسب مفهوم نص المادة 73/02.
الفرع الثاني: حقوق و التزامات رب العمل:
1-   حقوق رب العمل:تثبت لمصلحة رب العمل بمقتضى عقد العمل حقوق يمكن تلخيصها فيما يلي:
أ‌-    الحقوق المرتبطة بعقد العمل:تتضمن في ذات الوقت الالتزامات المترتبة بمقتضى العقد على عاتق العامل، على اعتبار الطابع التبادلي لعقد العمل، و على هذا الأساس يكون التزام العامل ببذل الجهد حقا لرب العمل، كما أن التزام العامل بالسر المهني يقع في مصلحة رب العمل باعتباره وسيلة للحفاظ على مصالحه المادية، و الشأن ذاته النسبة لباقي الالتزامات.
ب‌-الحق في الإدارة و التنظيم:تظهر سلطة رب العمل الإدارية من خلال صلاحية اتخاذ الإجراءات التنظيمية داخل مقرات العمل، مثل صلاحية إصدار وثيقة النظام الداخلي، حتى و إن كانت خاضعة للرقابة الإدارية لمفتش العمل المختص.
ت‌-صلاحية توقيع الجزاءات التأديبية:تثبت للمستخدم سلطة توقيع الجزاءات بما خوله المشرع من سلطة تأديبية، حتى و إن كانت هذه السلطة محدودة قانونا، حيث تتوقف عند التسريح، الذي يخضع لإجراءات و شروط قانونية، و يخرج عن مجال إعمال السلطة التأديبية.
2-   التزامات صاحب العمل:إن الطابع المزدوج و التبادلي لعقد العمل يجعل من الحقوق الثابتة للعامل التزامات على ذمة رب العمل.
   المبحث الثالث: منازعات العمل الفردية:
  قصر المشرع الجزائري مفهوم المنازعة الفردية على المنازعات التي سبب نشوئها خلاف بين العامل و المستخدم حول تنفيذ علاقة العمل حسب ما يفهم من نص المادة 90/04 المتعلق بتسوية منازعات العمل الفردية، و نظم المشرع إجراءات تسوية النزاع من خلال التمييز بين فئتين من الأحكام: أحكام التسوية الودية، ثم التسوية القضائية.
   المطلب الأول: التسوية الودية للمنازعات الفردية في العمل:نميز في هذا الصدد بين التسوية التي تتحقق داخل المؤسسة، و تلك التي تباشر خارجها.
   الفرع الأول: التسوية الداخلية:تتم التسوية في هذه الحالة داخل أجهزة المؤسسة بطريقة إدارية بأن يسحب مصدر القرار قراره المنشئ للنزاع أو يعدله، أو يتقبله العامل، وفق الإجراءات المقررة في الاتفاقيات الجماعية أو القانون، مثل منح رب العمل مهلة لسحب أو تعديل القرار، و عقد جلسة استماع للعامل قبل إصدار القرار قصد التمكن من التقريب بين الطرفين في محاولة لحسم النزاع مسبقا.
   الفرع الثاني: المصالحةهو إجراء يقوم به طرف ثالث أجنبي عن المؤسسة قصد التوفيق بين طرفي النزاع قصد حسمه قبل اللجوء إلى القضاء، و قد أوكلها المشرع الجزائري إلى هيئة متساوية التمثيل نصفها من ممثلي العمال، و النصف الثاني ممثلا لأرباب العمل، و يتولى أمانتها مفتش للعمل، و تتم المصالحة من خلال إيداع عريضة مكتوبة أو بمقتضى محضر بأقوال الطرف المتضرر يحرره رب العمل المختص، و المصالحة شرط جوهري لمباشرة الدعوى العمالية، بحيث يعد إغفالها سببا لرفض الدعوى القضائية شكلا.
1-اختصاصات مكتب المصالحة:نميز في هذا الصدد بين الاختصاص الموضوعي و الاختصاص المحلي:
أ‌-    الاختصاص الموضوعي:يمتد اختصاص مكتب المصالحة لكافة المنازعات الفردية في العمل، سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص، و عليه يستثنى من هذا المجال الأنظمة الخاصة، و تلك الخاضعة للوظيف العمومي.
ب‌-الاختصاص الإقليمي:الأصل أن يؤسس لكل دائرة إقليمي لمكتب مفتشية العمل مكتب للمصالحة، إلى إذا استدعت ضرورات عملية استحداث أكثر من مكتب واحد داخل دائرة اختصاص مفتشية واحدة، كما هو الحال بالنسبة لشساعة النطاق الجغرافي لاختصاص مفتشية العمل، أو ارتفاع حجم المنازعات العمالية لاسيما بالنسبة للمناطق ذات النشاط الاقتصادي الكثيف.
2-إجراءات المصالحة:تبدأ إجراءات المصالحة بعريضة يودعها المدعي لدى مفتش العمل المختص، أو الإدلاء بأقواله أمامه، على أن يحرر مفتش العمل محضرا بأقواله، ثم يستدعي خلال ثلاثة أيام مكتب المصالحة للانعقاد و يجتمع المكتب بعد ثمانية أيان على الأقل من تاريخ الاستدعاء، و في حالة تغيب المدعي دون عذر مقبول يمكن للمكتب شطب الدعوى (م28 ق90/04)، و إذا لم يحضر المدعى عليه دون عذر مقبول يتم استدعاؤه من جديد لاجتماع في أجل أقصاه ثمانية أيام، فإذا لم يحضر يحرر محضر بعدم المصالحة يسلم للمدعي لأجل مباشرة الدعوى القضائية.
أما إذا حضر الطرفان و تمت المصالحة فينقضي النزاع عند هذا المستوى، أما إذا لم تتحقق المصالحة فيحرر محضر بعدم المصالحة يستعمل في مباشرة الدعوى القضائية.
3-تنفيذ اتفاقات الصلح:لا يملك مكتب المصالحة سلطة إجبار الطرفين على تنفيذ اتفاق الصلح، حيث يتدخل المشرع لدعم ما تم الاتفاق عليه بين المتنازعين، حيث شمله بنظام الغرامة التهديدية بأمر من رئيس المحكمة المختصة الملتمس بعريضة من أجل التنفيذ، مع تحديد غرامة تهديدية لا تقل عن ربع الأجر الوطني الأدنى المضمون (م 34 ق90/04)
    المطلب الثاني: التسوية القضائية:نتطرق بصدد التسوية القضائية للمسائل التالية:
    الفرع الأول: تعريف قضاء العمل:هو قضاء مختص بالمنازعات التي تثور بين طرفي عقد العمل، ذو اختصاص أصيل، حيث لا ينظر إلا في المسائل التي يحيلها عليه قانون العمل دون غيرها، و هو قضاء مهني متساوي التمثيل، حيث يتشكل من ممثلين منتخبين من العمال، و ممثلين منتخبين عن أرباب العمل.
الفرع الثاني: تطور تنظيم قضاء العمل في الجزائر:مر تنظيم قضاء العمل في الجزائر بالمراحل التالية:
1-مرحلة ما قبل 1972:كان فيها قضاء العمل مندمجا ضمن المنظومة القضائية العامة التي أقرها الأمر 65-278.
2-مرحلة 1972-1975:تميزت بتحول في تشكيلة المحكمة الاجتماعية من حيث انعقادها برئاسة قاضي يساعده مساعدان لهما صوت استشاري حسب ما ورد في الأمر 72/61 المتضمن سير المحاكم في المسائل الاجتماعية.
3-مرحلة 1975-1990:تميزت بإجراءات خاصة لاسيما عرض النزاع على مفتشية العمل المختص حسب ما أورده الأمر 75/32 المتعلق بالعدالة في العمل.
4-مرحلة ما بعد 1990:أقر المشرع بمقتضى القانون 90/04 المتضمن تسوية المنازعات الفردية في العمل صوتا تداوليا بالنسبة للمساعدين.
   الفرع الثالث: تشكيل و اختصاصات محكمة العمل:
1-تشكيل محكمة العمل:تتشكل محكمة العمل من قاضي يرأس المحكمة، و من ممثلين اثنين للعمال، و ممثلين اثنين لأرباب العمل، ينتخبون من بين العمال و أرباب العمل كل حسب صفته، و يجوز للمحكمة أن تنعقد قانونا بحضور ممثل واحد عن كل فئة، أما بالنسبة للغرفة الاجتماعية على مستوى المجالس القضائية و المحكمة العليا فهي تتشكل حصرا من قضاة معينين.
2-  اختصاصات محكمة العمل:حدد القانون مجال اختصاص محكمة العمل سواء تعلق الأمر بالاختصاص الإقليمي أو الاختصاص الموضوعي.
أ‌-    الاختصاص الإقليمي:لا يطرح الاختصاص الإقليمي على اعتبار تحديده قانونا بمقتضى الأمر 97/11 المتضمن التقسيم القضائي، كما أن المادة 40/8من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية وضعت قاعدة عامة في هذا الخصوص، حيث أحالت على المحكمة التي تم فيها إبرام عقد العمل، أو تنفيذه، أو التي يوجد فيها موطن المدعي، إلى بالنسبة لإنهاء أو تعليق عقد العمل بسبب حادث عمل فإن الاختصاص ينعقد لمحكمة موطن المدعي.
ب‌-الاختصاص الموضوعي:من حيث الموضوع تختص محكمة العمل في كل القضايا التي يحيلها عليها القانون صراحة، لاسيما:
-          الخلافات الفردية في العمل الناجمة عن تنفيذ أو توقيف أو قطع علاقة العمل، وعقد التكوين بالتمهين،
-          كافة القضايا الأخرى المحالة قانونا على المحكمة العمالية، لاسيما تلك المتعلقة بالضمان الاجتماعي.
   الفرع الرابع: إجراءات التقاضي:تخضع إجراءات التقاضي أما المحكمة العمالية للأحكام ذاتها المقررة بالنسبة لإجراءات التقاضي عموما، مع استثناء مرتبط باشتراط محضر عدم المصالحة، أو عدم المصالحة الجزئية كشرط لمباشرة الدعوى العمالية، حيث ترفع الدعوى بمقتضى عريضة مكتوبة تودع لدى كاتب الضبط للمحكمة المختصة، أو الإدلاء بأقوال لدى هذه الجهة، حيث يتكفل حينها كاتب الضبط بتحرير محضر بأقوال المدعي، و تقيد الدعوى المرفوعة إلى المحكمة حالا تبعا لترتيب ورودها مع بيان أسماء الأطراف و رقم القضية و تاريخ الجلسة، ثم يرسل بعد ذلك تكليف بالحضور إلى المعنيين بالأمر، فإذا لم يحضر المدعي أو ممثله بدون عذر مقبول و رغم صحة التبليغ يتم شطب الدعوى، أما إذا لم يحضر المدعى عليه بدون عذر مقبول و رغم صحة التبليغ فيقضى في غيابه، و في حالة ما إذا كان غيابه مبررا فيستدعى من جديد.
   إن الطابع الاستعجالي لقضايا العمل دفع المشرع إلى تحديد الجلسة الأولى للنظر أو الفصل في المنازعة في مدة لا تتجاوز 15 يوما من تاريخ توجيه العريضة الافتتاحية، و أن تصدر حكمها في أقرب وقت ممكن، باستثناء حالات إصدار أحكام تمهيدية أو تحضيرية، مثل تعيين خبير، و فيما يتعلق بإعادة السير في الدعوى في حالة وفاة المدعي أو المدعى عليه، فللورثة حق مواصلة السير في الدعوى إلا أن تكون مهيأة للفصل فيها.
   الفرع الخامس: طبيعة الأحكام الابتدائية و كيفيات تنفيذها:يمكن لتمييز بصدد الأحكام الابتدائية بين ثلاث فئات:
1-أحكام ابتدائية نهائية:حيث لا يجوز الطعن فيها بأي من أوجه الطعن، سواء العادية أو غير العادية، و من أمثلة هذه الأحكام ما تضمنته المادة 21 من قانون 90/04، و التي تتضمن:
-          إلغاء العقوبات التأديبية غير الإجرائية،
-          الدعاوى الخاصة بتسليم شهادات العمل،
-          الدعاوى الخاصة بكشف الرواتب.
2-أحكام ابتدائية قابلة للنفاذ المعجل:حيث تنفذ هذه الفئة من الأحكام رغم قابليتها للطعن، و تتضمن على الخصوص:
-          الإنهاء التعسفي لعقد العمل،
-          تطبيق أو تفسير اتفاقية أو اتفاق جماعي للعمل،
-          تطبيق أو تفسير كل اتفاق مبرم في إطار الإجراءات الخاصة بالمصالحة،
-          دفع الرواتب و التعويضات الخاصة بالستة أشهر الأخيرة،
-          حالة احتلال العمال لأماكن العمل، و إن تعلقت هذه الحالة بالقضاء الاستعجالي.
3-  الأحكام العادية:و هي الأحكام القابلة لطرق المراجعة العادية و غير العادية، و التي لا يمكن تنفيذها إلا بعد استنفاذ كافة الإجراءات المقررة صراحة للمتقاضين، أي بعد حصول الحكم على حجية الشيء المقضي فيه، حيث تمنح للخصوم مهل للمراجعة و الاستئناف.
   الفرع الثالث: الدعوى النقابية:يمتد الحق في التقاضي إضافة إلى العامل و رب العمل، إلى المنظمات النقابية الممثلة للعمال، باعتبار أن القانون أثبت لها أهلية التقاضي حسبما جاء في المادة 90/14 المتعلق بكيفيات ممارسة الحق النقابي، و على هذا الأساس فإن المنظمة النقابية، و إضافة إلى اعتبارها شخص معنوي له شخصية مستقلة عن شخصية أعضائه القانونية، و يملك حق التقاضي في النزاعات التي تمس مصالحه سواء قبل المنظمات النقابية الأخرى، أو قبل أرباب العمل، فإنه يمكنها تمثيل أعضائها في مصالحهم الفردية وفق ما هو معروف إجرائيا بدعوى المصالح الفردية، لاسيما إذا كانوا ممثلين نقابيين، و هذا خروجا عن القواعد العامة التي لا يجوز بمقتضاها رفع الدعوى القضائية إلى لمن يحوز مصلحة، و في هذا الشأن يمكن للمنظمة النقابية أن تتأسس لمصلحة أعضائها المادية و المعنوية، باعتبار الدفاع عن هذه المصالح هو السبب في وجودها.



EmoticonEmoticon